مداخلة تحت عنوان:
الأزمة المالية العالمية، انعكاساتها وحلولها.
د. الداوي الشيخ.
أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير- جامعة الجزائر
daouicheikh@yahoo.fr
في إطار مؤتمر:
الأزمة المالية العالمية وكيفية علاجها من منظور النظام الاقتصادي الغربي والإسلامي
14 آذار( مارس) 2009 - جامعة الجنان، طرابلس- لبنان / 13
2
مستخلص
تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على أسباب وجذور الأزمة المالية العالمية الحالية، الجوانب
والقطاعات الاقتصادية المتضررة التي تعرضت للصدمات الأولى الناتجة عن المد الأول للأزمة، ثم
الآثار اللاحقة وغير المباشرة على المستوى العالمي والعربي؛ بعد ذلك ستتعرض الدراسة لبعض الحلول المقترحة لما
بعد الأزمة.
- مقدمة.
يطغى الحديث هذه الأيام عن الأزمة المالية العالمية عما سواه من أحداث اقتصادية، حيث ظهرت مصطلحات
عديدة سيطرت على التحاليل مما زاد من إشاعة الهلع بين الناس، والغريب حقا أ ن الكثيرين من هؤلاء، ولاسيما في
الدول العربية لا يتوانون عن التأكيد بأّنهم لا يعرفون التفاصيل وأسباب الأزمة وكيف حدثت.
وما زاد من الحيرة، عودة النقاشات الإيديولوجية مثل الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي، أو الأزمة الدورية
للرأسمالية، أو سقوط النموذج الليبرالي وعودة التأميم والاشتراكية؛ ويؤكد الأخصائيون من جهة أخرى أن ما يحدث
أثناء هذه الأزمة المالية أمر بسيط، ولكن يتم تفسيره عادة بكلمات ومصطلحات معّقدة وهو ما يزيد في واقع الأمر من
حالة الذعر.
وعليه تحاول هذه الدراسة تحليل الإشكالية التالية:
ما المقصود بالأزمة المالية؟ ما أسباب وجذور الأزمة الحالية؟ ما هي نتائجها على المدى القصير والطويل؟ وما هي
الحلول الممكنة لهذه الأزمة؟
وتتمثل أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء على موضوع في غاية الأهمية، ألا وهو الأزمة المالية الحالية،
فالتحديات الراهنة التي تفرضها هذه الأزمة أفرزت ولا زالت تفرز أثارا في أغلبها هي سلبية على ليست فقط على
الدول النامية، بل تعدى ذلك إلى الدول المتقدمة، وما نشهده يوميا من إفلاس المؤسسات، وتسريح آلاف العمال،
وإحالتهم على البطالة لهو خير دليل على هذه الآثار السلبية؛ الأمر الذي يقودنا إلى ضرورة تشخيص هذه الأزمة.
بينما تهدف الدراسة إلى تحليل مفهوم الأزمة المالية من خلال التعريف بهذا المفهوم، وعرض المراحل التي
تعكس التطور التاريخي للأزمات المالية، ثم تسليط الضوء بتركيز أكثر على الأزمة المالية الحالية من حيث مراحلها،
جذورها، وتأثيراتها على الوطن العربي عموما، وعلى الجزائر خصوصا، وأخيرا تتناول الدراسة الدروس المستفادة
من هذه الأزمة.
3
أولا:- تعريف الأزمة المالية.
توجد إسهامات فكرية مختلفة حاولت تحديد ماهية الأزمة المالية، من بينها أن الأزمة هي:" حالة تمس
أسواق البورصة وأسواق الائتمان لبلد معين أو مجموعة من البلدان، وتكمن خطورتها في آثارها على
الاقتصاد مسببة بدورها أزمة اقتصادية تم انكماش اقتصادي عادة ما يصاحبها انحصار القروض أزمات
. السيولة والنقدية وانخفاض في الاستثمار وحالة من الذعر والحذر في أسواق المال" 1
ثانيا:- عرض وتحليل الأزمات المالية والنقدية.
لن نتعرض لجميع الأزمات لأنها عديدة، كما أنها أسبابها ومداها يختلف باختلاف الأزمة محل الدراسة،
لكننا سنتعرض بالتحليل لأوائل هذه الأزمات وأهمها تاريخيا، ثم نذكر بعض الأزمات التي تلت سنة 1973
بما أنها السنة التي تم فيها تغيير النظام المالي العالمي بعد تغيير نظام الصرف في الولايات المتحدة الأمريكية.
سنعرض هذه الأزمات- التي تتميز بكونها دورية- ملخصة بالاعتماد على عنصرين، أولهما عنصر
الأسواق المالية المعنية بالأزمة محل الدراسة، بينما يتضمن العنصر الثاني الميكانيزمات العاكسة للأزمة، وهذا
من خلال الجداول التالية:
.( 1797 -1720 - -1 عرض أولى الأزمات( 1637
الأزمة الأسواق المالية المعنية الميكانيزمات
أزمة 1637 السندات لأجل فبراير 1637 ، بعد عدة سنوات من المضاربة بأوروبا،
انخفضت الأسعار فجأة مسببة إفلاس المضاربين واعتبرها
المؤرخون أولى الأزمات المالية الناتجة عن المضاربة
انهيار 1720 الأسهم أزمتين متتاليتين تفرق بينهما بضعة أشهر بفرنسا وانجلترا
بخصوص أسهم الشركات التي تستغل موارد العالم الجديد.
الأزمة النقدية 1797 البنوك 26 فبراير 1797 ، بنك انجلترا يعرف انحصارا في
الاحتياطي ويقرر تعليق التخليص نقدا مما خلق الذعر بين
المواطنين والشركات الذين سارعوا إلى سحب مدخراتهم
وأرباحهم من البنوك والتسبب بإفلاس جماعي وهي أول أزمة
ناتجة عن الذعر الجماعي.
ب
1 - Le groupe wikipedia, Crise financière,[Online], dans : wikipedia : the free encyclopedia, disponible sur
http://fr.wikipedia.org/wiki/Crise_financière#Typologie_des_m.C3.A9canismes_de_crise_financi.C3.A8re, (08/02/2009).
4
1836 ).بل -1825 -1819 - -2 عرض أزمات القرن التاسع عشر( 1810
الأزمة الأسواق المالية المعنية الميكانيزمات
أزمة 1810 البنوك بعد حصار انجلترا من طرف نابليون، سقط نظام الائتمان بها
خاصة وأنها لم تستطع تحصيل حقوقها على شركات جنوب
أمريكا مما سبب أزمة سيولة وموجة بطالة تبعتها ميلاد
حركات نبذ التألية في المصانع.
أزمة 1819 البنوك هي أول أزمة مالية بالولايات المتحدة الأمريكية، نتجت عن
صرف الأموال في حرب 1812
وسياسة التقشف التي فرضها البنك المركزي الأمريكي.
أزمة 1825 الأسهم بعد المضاربة الشديدة على الاستثمارات المتواجدة بأمريكا
اللاتينية( البنوك، التأمينات، تسليح السفن، بناء القنوات...)،
انحدرت قيم أسهمها انحدارا شديدا في بورصة لندن فأفلست
بنوك عديدة وأكثر من 3300 مؤسسة؛ رغم أن هذه الأزمة
تركزت في بريطانيا العظمى إلا أنها تعتبر أولى الأزمات
التي مست البورصة.
انهيار 1836 الأسهم و البنوك شهدت انجلترا انهيارا آخر للبورصة بعد قرار الرئيس
الأمريكي "آندرو جاكسون" اشتراط بيع الأراضي مقابل معادن
ثمينة، وهو ما شكل ضربة قاضية للمضاربة في سوق العقار
بأمريكا؛ وبما أن البنوك الأمريكية كانت تقترض من بريطانيا
فقد تلقت هذه الأخيرة الجزء الأصعب من الصدمة قبل أن
تنتقل الأزمة إلى أمريكا في حد ذاتها سنة 1837
انهيار 1873 الأسهم 9 ماي 1873 ، بورصتي فينا والنمسا بدأتا ما يسمى بفترة
الكساد الكبير للاقتصاد العالمي بسبب المضاربات الضخمة
التي لم تقابلها سوى ضمانات متدنية بالإضافة إلى أنها لم تكن
مغطاة بإنتاج اقتصادي حقيقي مما سبب انهيارا كليا انتشر
على ألمانيا، أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية.
Source: Le groupe wikipedia, Crise financière,[Online], dans : wikipedia : the free encyclopedia, disponible
sur : http://fr.wikipedia.org/wiki/Crise_financière#Liste_des_crises_financi.C3.A8res, (09/02/2009).
5
.( 1979 -1974 - -3 عرض أزمات القرن العشرين( 1929
الأزمة الأسواق المالية
المعنية
الميكانيزمات
انهيار 1929 الأسهم أقوى أزمة اقتصادية عالمية في القرن الماضي
أزمة 1974 البنوك إفلاس البنك الألماني "هيرستات" بسبب التفاوت في
التوقيت بين ألمانيا و الولايات المتحدة الأمريكية وهي
أول مرة يتم فيها التعرف على مفهوم الخطر النظامي.
1979 البنك الفدرالي
الأمريكي
قام محافظ البنك برفع أسعار الفائدة تدريجيا وكل يوم
حسب الحاجة من أجل امتصاص التضخم وهي سياسة
نقدية أثبتت نجاحها آنذاك.
6
.( 1987 -1985 - -4 عرض أزمات ثمانينات القرن العشرين( 1982
الأزمة الأسواق المالية
المعنية
الميكانيزمات
1982 أزمة الديون
البنكية
البنوك
أسعار الفائدة
والأخطار النظامية
بعد أحداث 1973 في قطاع المحروقات، تراكمت
ديون الدول النامية، بالإضافة إلى ذلك لم تستعمل
القروض في الاستثمار وإنما في تغطيت العجز في
موازين المدفوعات مما زاد من حدة وقع أزمة
البترول الثانية في 1978 حيث أجبرت هاته الدول
على الاستدانة بأسعار فائدة عالية وعلى المدى القصير
مما أثقل كاهلها وجاءت أزمة المكسيك كأول رد فعل
وسببت الديون المعلقة حالة ذعر عالمية.
1985 بنك نيويورك
خطر نظامي
توقف نظام التشغيل ببنك نيويورك لمدة 28 ساعة
سبب التوقف الكلي لعمليات السحب والدفع للقروض
الحكومية مما استدعى التدخل المستعجل للبنك
المركزي ب 20 مليار دولار الذي يعتبر سابقة
تاريخية.
انهيار 1987 سوق السندات
الحكومية ثم سوق
الأسهم
خطر نظامي
بسبب انخفاض قيمة الدولار كسعر صرف ارتفعت
أسعار الفائدة المتعلقة بالمدى الطويل، ومع ذلك
واصلت أسواق الأسهم بالنمو و لكن عند بلوغ
الارتفاع في أسعار الفائدة 400 نقطة جاء الانهيار
مسجلا اكبر انهيار تاريخي في يوم واحد في بورصة
الأسهم وانتهت كذلك بتدخل البنك المركزي الأمريكي.
7
.(1998 -1997 -1994 -1992 - -5 عرض أزمات تسعينيات القرن العشرين( 1990
الأزمة الأسواق المالية
المعنية
الميكانيزمات
1990 المحروقات مع حرب الكويت
1992 النظام النقدي
الأوروبي
إعادة الهيكلة الفرنسية
20 سبتمبر 1992
الأزمة الاقتصادية
المكسيكية 1994
أسعار الفائدة
خطر نظامي
ارتباط العملة المكسيكية بالدولار الأمريكي شكل
ضمانة وهمية شجعت الاستدانة الأجنبية مما سبب
عجزا في ميزان المدفوعات استدعى التدخل الأمريكي
العاجل لكونه اقرب جيران المكسيك
أزمة الاقتصادية
الآسيوية
1997
البنوك نفس ما حصل للمكسيك تكرر في تايلاندا وانتقل إلى
دول شرق آسيا.
أزمة 1998 أسعار الفائدة
خطر نظامي
أطول أزمة اقتصادية في تاريخ روسيا ودول الاتحاد
السوفياتي سابق وهددت النظام المالي العالمي.
8
.( 2007 -2001 - -6 عرض أزمات الألفية الثالثة( 2000
الأزمة الأسواق المالية
المعنية
الميكانيزمات
2000 الأنترنيت
الأسهم
تهافت المؤسسات على البيع عن طريق الأنترنيت
دون وضع اللوجستيك والتوزيع بعين الاعتبار سبب
أزمة في مارس 2000
2001 خطر نظامي نتج عن أحداث 11 سبتمبر 2001 ، تدمير العديد من
فروع الأسواق المالية الدولية بالإضافة إلى تضرر
شبكات اتصال حيوية كأنظمة المقاصة و تدخل أيضا
البنك المركزي الأمريكي من خلال توفير السيولة
اللازمة للبنوك المتضررة ولمدة أسبوع كامل خوفا من
الخطر النظامي و بدوره البنك المركزي الأوروبي قدم
أكثر من 130 مليار اورو للبنوك الأوربية لتفادي
الانهيار.
الأزمة المالية 2007 سوق العقار
البنوك و الأسهم
خطر نظامي
الأسباب و التحليل في متن المداخلة.
Source : Idem
9
ثالثا:- بداية الأزمة المالية الحالية.
انطلقت بداية الأزمة الجديدة مع إعلان مؤسسة مالية عملاقة، هي "ليمان براذرز" عن إفلاسها الوقائي، وهذه كانت
بداية رمزية خطرة، لأن هذه المؤسسة العريقة كانت من الشركات القليلة التي نجت من مذبحة الكساد الكبير في عام
1929 ، وتعتبر من أقدم المؤسسات المالية الأمريكية، التي تأسست في القرن التاسع عشر، وهذا ما أ ّ كد تنبؤات ألن
غرسيبان، رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي السابق، بأن مؤسسات مالية ُ كبرى جديدة ستسير على درب "ليمان
براذرز".
في سبتمبر 2008 بدأت أزمة مالية عالمية والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929 م،
ابتدأت الأزمة أو ً لا بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم ليشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية
والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت
في الولايات المتحدة خلال العام 2008 م إلى 19 بنكًا، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك
الأمريكية البالغ عددها 8400 بنك.
-1 المراحل الكبرى في الأزمة المالية منذ اندلاعها.
نوجز المراحل الكبرى في الأزمة المالية التي اندلعت في بداية العام 2007 في الولايات المتحدة وبدأت تطال أوروبا
كما يلي: 2
• فبراير 2007 : عدم تسديد قروض الرهن العقاري( الممنوحة لمدينين لا يتمتعون بقدرة كافية على التسديد)،
هذا التراكم في الولايات المتحدة سبب أولى عمليات الإفلاس في مؤسسات مصرفية متخصصة.
• أغسطس 2007 : البورصات تدهورت أمام مخاطر اتساع الأزمة، والمصارف المركزية تدخلت لدعم سوق
السيولة.
• أكتوبر إلى ديسمبر 2007 : عدة مصارف كبرى أعلنت انخفاضًا كبيرًا في أسعار أسهمها بسبب أزمة الرهن
العقاري.
• يناير 2008 : الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) خفض معدل فائدته الرئيسية ثلاثة أرباع النقطة
إلى 3.50 %، كإجراء استثنائي؛ ثم جرى التخفيض تدريجيا إلى 2% بين شهري كانون الثاني ونهاية نيسان.
2 ‐ Le groupe wikipedia, Crise financière,[Online], dans : wikipedia : the free encyclopedia, disponible sur
http://ar.wikipedia.org/wiki/ا٠أز٠Ø_ا٠٠ا٠٠Ø_ا٠عا٠٠٠Ø#.D8.A2.D8.B1.D8.A7.D8.
A1_.D8.AD.D9.83.D8.A7.D9.85_.D9.88.D9.82.D8.A7.D8.AF.D8.A9_.D8.A7.D9.84.D8.B9.D8.A7.D9.84.D9.85_.D9.81.D9.8A_
.D8.AE.D8.B7.D8.A9_.D8.A7.D9.84.D8.A5.D9.86.D9.82.D8.A7.D8.B0_.D8.A7.D9.84.D9.85.D8.A7.D9.84.D9.8A,
(09/02/2009).
10
17 فبراير، 2008 : الحكومة البريطانية أممت بنك "نورذرن روك". •
• مارس 2008 : تضافر جهود المصارف المركزية مجددا لمعالجة سوق القروض.
• مارس 2008 : "جي بي مورغان تشيز" أعلن شراء بنك الأعمال الأمريكي "بير ستيرنز" بسعر متدن ومع
المساعدة المالية للاحتياطي الاتحادي.
7 سبتمبر 2008 : وزارة الخزانة الأمريكية وضعت المجموعتين العملاقتين في مجال قروض الرهن العقاري •
"فريدي ماك" و"فاني ماي" تحت الوصاية طيلة الفترة التي تحتاجانها لإعادة هيكلة ماليتهما، مع كفالة ديونهما
حتى حدود 200 مليار دولار.
15 سبتمبر 2008 : اعترف بنك الأعمال "ليمان براذرز" بإفلاسه بينما أعلن أحد أبرز المصارف الأمريكية •
وهو "بنك أوف أميركا" شراء بنك آخر للأعمال في بورصة وول ستريت هو بنك "ميريل لينش".
• عشرة مصارف دولية اتفقت على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال 70 مليار دولار لمواجهة أكثر حاجاتها
إلحاحًا، في حين وافقت المصارف المركزية على فتح مجالات التسليف؛ إلا أن ذلك لم يمنع تراجع البورصات
العالمية.
16 سبتمبر 2008 : الاحتياطي الاتحادي والحكومة الأمريكية تؤممان بفعل الأمر الواقع أكبر مجموعة تأمين •
في العالم "أي آي جي" المهددة بالإفلاس عبر منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل امتلاك 9.79 % من
رأسمالها.
17 سبتمبر 2008 : البورصات العالمية واصلت تدهورها والقروض يضعف في النظام المالي. و المصارف •
المركزية كثفت من العمليات الرامية إلى تقديم السيولة للمؤسسات المالية.
18 سبتمبر 2008 : البنك البريطاني "لويد تي أس بي" اشترى منافسه "أتش بي أو أس" المهدد بالإفلاس. •
• السلطات الأمريكية أعلنت أنها تعد خطة بقيمة 700 مليار دولار لتخليص المصارف من أصولها غير القابلة
للبيع.
19 سبتمبر 2008 : الرئيس الأمريكي جورج بوش وجه نداء من أجل "التحرك فورًا" بشأن خطة إنقاذ •
المصارف لتفادي تفاقم الأزمة في الولايات المتحدة.
23 سبتمبر 2008 : الأزمة المالية طغت على المناقشات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. •
• الأسواق المالية ضاعفت قلقها أمام المماطلة حيال الخطة الأمريكية للإنقاذ المالي.
11
26 سبتمبر 2008 : انهيار سعر سهم المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية "فورتيس" في البورصة •
بسبب شكوك بشأن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها؛ وفي الولايات المتحدة اشترى بنك "جي بي مورغان" منافسه
"واشنطن ميوتشوال" بمساعدة السلطات الفدرالية.
28 سبتمبر 2008 : خطة الإنقاذ الأمريكية موضع اتفاق في الكونغرس؛ بينما أوروبا جرى تعويم "فورتيس" •
من قبل سلطات بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وفي بريطانيا جرى تأميم بنك "برادفورد وبينغلي".
29 سبتمبر 2008 : مجلس النواب الأمريكي رفض خطة الإنقاذ، وبورصة وول ستريت انهارت بعد ساعات •
قليلة من تراجع البورصات الأوروبية بشدة، في حين واصلت معدلات الفوائد بين المصارف ارتفاعها مانع ً ة
المصارف من إعادة تمويل ذاتها.
• أعلن بنك "سيتي غروب" الأميركي أنه يشتري منافسه بنك "واكوفيا" بمساعدة السلطات الفدرالية.
1 نوفمبر 2008 : مجلس الشيوخ الأميركي أقر خطة الإنقاذ المالي المعدلة. •
-2 جذور الأزمة.
يبقى السؤال الأهم في نظرنا هو: ما هي أسباب هذه الأزمة؟ وهل هي عابرة سببها اضطراب سوق العقار أو انفصال
الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي أو انخفاض، ثم ارتفاع أسعار الفائدة أو "مج رد حركة تصحيحية في الأسواق
المالية"، أم أن سببها الأعمق العولمة النيو - ليبرالية ال منفلتة من لجامها والفجوة التي لا تني تتو سع في داخل الدول
بين الفقراء والأغنياء، والتضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة؟
خلال حقبة العولمة النيو - ليبرالية التي بدأت في سبعينات القرن العشرين، م رت المراكز الرأسمالية الكبرى، خاصة
انتقلت بموجبها الرأسمالية الغربية ،(deindustrialization) الولايات المتحدة، بعملية "لا تصنيع" أو نزع التصنيع
من الاعتماد على الأسواق المحلية - القومية إلى الشكل الحالي من العولمة عبر نقل الصناعات الثقيلة المل وثة إلى
الصين والهند وغيرهما.
وترافق ذلك مع "تحرير" أسواق المال ونزع كل القيود المن َ ظمة لها، مما أدى إلى هجرة جماعية للرؤوس الأموال إلى
"الجّنات الآسيوية" وأيضًا إلى تقسيم عمل دولي جديد:
التكنولوجيا المتطورة والبحث والتطوير والسلع "الخاصة" (الخدمات المالية) في المراكز الرأسمالية والعمليات
الصناعية التقليدية في الأطراف.
هذا التطور لم يؤد فقط إلى خلق بطالة واسعة النِّطاق في الغرب، بل أيضًا إلى تو سع هائل للأسواق المالية التي
انفتحت بسرعة، فبات القطاع المالي في بريطانيا، على سبيل المثال، مسؤو ً لا عن نصف النمو الاقتصادي، وكذا الأمر
بالنسبة للقطاع المالي العقاري في أمريكا حتى عام 2006 ، و كلا القطاعين اعتمدا بشكل كامل على المضاربة وليس
على الاقتصاد الحقيقي.
12
بدأت الأزمة بعد تزايد حدة قلق المتعاملين في أسواق المال بشأن الظروف التي تمر بها أسواق الائتمان في
العالم، والتي أرجع المحللون معظمها إلى المشاكل التي تعرضت لها سوق الإقراض العقاري الأمريكي المعروفة باسم
"ساب برايم" والتي تمنح للراغبين في السكنى من دون الاشتراط بأن يكون للمقترض سجل مالي قوي، شهدت
القروض الموجهة لضعيفي الملاءة طفرة في أمريكا خلال الأعوام الأخيرة ولم يكن هناك ما هو أسهل من الحصول
على قرض سكني.
فإذا كانت الجدارة الائتمانية لطالب القرض متدنية أو كان لديه تاريخ بالإفلاس، فهذا لا يهم؛ وإذا كان دخله
متدنيًا إلى حد لا يكفي للتأهل للحصول على قرض، فكل ما عليه أن يفعله هو محاولة الحصول على القرض من خلال
تعبئة طلب خاص "يصرح فيه عن دخله" ( ويكتفي البنك بذلك وإن كان يتعين عليه التحقق من بيان الدخل ).
وإذا كان طالب القرض يشعر بالتوتر من أن الجهة المقرضة يمكن أن تستعلم عن "الدخل المصرح" فكل ما عليه
هو زيارة موقع شركة معينة على الإنترنت ومقابل رسوم مقدارها 55 دولارا سيساعدك المأمورون العاملون في هذه
الشركة الصغيرة( مقرها ولاية كاليفورنيا ) في الحصول على قرض بتوظيفك على أنك "مقاول مستقل"، وسيعطونك
إشعارات بالرواتب لتكون "دلي ً لا" على الدخل، وإذا دفعت رسمًا إضافيًا مقداره 25 دولارًا فإنهم يضعون مأموري
الهاتف الذين يردون على المكالمات ويجيبون أجوبة تعطي عنك صورة براقة إذا احتاج البنك إلى الاستفسار عن
وضعك.
لعل أكثر جانب سقيم بالنسبة لسوق القروض لضعيفي الملاءة في السنوات الأخيرة هو أن الجهات المقرضة
بلغت من السخاء في تزويد القروض للمقترضين الفقراء حدًا جعل القلة القليلة منها فقط هي التي تقوم بالاستفسارات
إن فعلت ذلك أص ً لا.
"الساب برايم" ساهمت في تدهور أسعار الأسهم بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، وقد كانت أسهم القطاع المصرفي
وعلى وجه التحديد بنوك يو بي إس، وإتش إس بي سي، وباركليز قاطرة الانهيار في أسعار الأسهم، حيث كانت هي
الأكثر تضررا خلال الأزمة، وهو أمر لفت أنظار المحللين الماليين الذين فسروا ذلك بأن المستثمرين في البورصة لا
يعرفون أي البنوك معرضة لمشكلات الائتمان العقاري ومدى خسائرها المحتملة، فبدأ الجميع في البيع بشكل هستيري.
وعلى هذا الصعيد علقت قرابة 70 شركة رهن عقاري أمريكية عملياتها وأعلنت إفلاسها، أو عرضت للبيع منذ بداية
عام 2006 وحتى الآن، وذكرت شركة "كونتري فاينانشيال" أن مصاعب سوق الرهن العقاري أصبحت تهدد أرباحها
ووضعها المالي جديا، وأخيرا أعلنت شركة "هوم مورتجيج إنڤستمنت" إفلاسها، وانخفضت الإيرادات ربع السنوية
لشركة "تول بروذرز" العقارية، وأعلنت شركة هوم ديبو العاملة في المجال العقاري توقع تراجع أرباحها أيضا بسبب
تراجع سوق العقارات السكنية.
وعلى الرغم من كل الإجراءات إلا أن هذا لم يؤد إلى منع انتشار الظاهرة عالميا، والتي عبرت عن نفسها في تراجع
أسواق المال في كل من تايلاند وماليزيا وهونج كونج وإندونيسيا وكوريا وسنغافورة وتايوان كان تراجع سوق الصين
أقل من نظيراتها الآسيوية حيث أعلنت البنوك في الصين أنها لا تمتلك استثمارات مرتبطة بمشكلات الرهن العقاري
الأمريكي، وفي أوروبا وصف المحللون الماليون الأزمة هناك بأنها أزمة خطيرة تهدد النظام المالي الأوروبي ولكنها
ليست كارثية، وقد تراجعت أسواق السويد وهولندا والنرويج وبلجيكا والنمسا والدنمارك وفنلندا، وانخفض مؤشر(
13
فاينانشيال تايمز) البريطاني، وداكس الألماني، وكاك 40 الفرنسي، وڤوستي البريطاني، وميبتل الإيطالي، وتوبكس
الأوسع نطاقا والذي سجل أدنى نقطة منذ نوفمبر 2006 ، ومؤشر نيكاي الياباني الذي أقفل عند أقل معدل له منذ ثمانية
أشهر، وذلك بعد أن انعكست مشاعر المستثمرين المضطربة بشكل واضح على مؤشر داو جونز الصناعي الذي اهتز
بعنف لينخفض إلى مستويات أدنى من حاجز ال 13000 نقطة، بينما فقد مؤشر ناسداك نحو 1.7 من قيمته.
-3 نظرية الدومينو.
توجد عدة اسهامات علمية تناولت هذه الأزمة بالدراسة والتحليل، وحاول البعض تقديم صورة مب سطة للأزمة
المالية العالمية الأخيرة، من بينهم الباحث الفرنسي الشاب طوماس غينولي؛ فقد تبعا لوجهة نظرة( غينولي) 3 فإ ن ما
يل ّ خص الأزمة هو مفعول الدومينو؛ فإذا كان هناك صفين من الدومينو تم وضعهما إلى جانب بعضهما البعض، وهناك
ص ّ ف آخر من الدومينو تم وضعه خلفهما: الصفان الأماميان يقعان، وكرد فعل تتابعي يسقط البقية؛ ففي الولايات
المتحدة مثلا تقوم مؤسسات إقراض بتمويل أصول وعقارات وممتلكات وبضائع لأناس يكون واضحا من الأول أنهم
ليسوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية، ينبغي على هؤلاء خلال السنتين الأوليين دفع فوائد تلك القروض، وفي
السنة الثالثة يقومون بدفع الدين وفوائده.
ولكن هناك حاليا الكثير من هؤلاء الذين لا يقدرون على الدفع، وهو ما يعني أ ن قيمة تلك القروض قد ضعفت،
وهذا هو أ ول دومينو في الصفين الأولين؛ يضاف إلى ذلك أنه في الولايات المتحدة مؤسسات إقراض توافق على ديون
تمنح بموجبها أموالا لأناس يملكون عقّارا يتم استخدامه ككفالة أو ضمانة للقرض، ولكن منذ مدة بدأ الطلب على
العقارات في التضاؤل إلى أن وصل إلى حد التج مد حيث ليس هناك طلب أصلا على شراء العقارات، وأدى ذلك
بطبيعة الحال إلى هبوط أسعار العقارات، وهو ما يدفع مؤسسات الإقراض إلى طلب السيولة، والتعويض من أولئك
الأشخاص الذين لا يملكون بالضرورة مالا.
وتبعا لذلك تبدأ تلك المؤسسات في المعاناة من أجل الحفاظ على قيمة تلك القروض والديون، وهو ما يضعف من قيمتها
في السوق والتعاملات المالية، وهذا هو الدومينو الثاني؛ هذه المؤسسات المالية قامت بتحويل تلك القروض إلى
"أصول" أي أنها حولتها إلى منتج جديد يمكن بيعه وشراؤه في البورصة، أي مثل أن تكون تدين لشخص بالمال، ويقوم
هذا الشخص ببيع دينك لشخص آخر، ونظرا لكون "الأرباح الموعودة" من هذه العملية مرتفعة، فقد أقدمت صناديق
الاستثمار على شراء هذه "الأصول" في البورصة؛ ولكن مع بدء هذه الأصول في فقدان قيمتها، أرادت صناديق
الاستثمار التخلص منها ببيعها؛ ولكن المشكل أّنه ليس هناك من مشترين باستثناء راغبين في الشراء بأسعار متدنية،
وهذا هو الدومينو الثالث.
ولتجنب مشاكل انعدام السيولة، تقوم صناديق الاستثمار هذه ببيع أصول أخرى تملكها في البورصة ولا علاقة لها بهذه
القروض، وبفعل ذلك، ولاسيما التس رع، تهبط قيمة هذه الأصول، ولكن زيادة على ذلك، فإ ن البنوك التي اشترت منها
هذه الصناديق تلك الأصول، تخسر الكثير من الأموال، وهذا هو الدومينو الرابع.
هذه البنوك التي فقدت الكثير من الأموال، وتعاني من نقص السيولة، ستحاول الحصول على الأموال بواسطة
الاقتراض من بنوك أخرى، وهو أمر يومي في الأسواق، ويعرف بالسوق المالية بين البنوك؛
2009 )، متوفر على الموقع: /02/ 3 - نبأ وآالة الأخبار الإسلامية، الأزمة المالية العالمية و نظرية تساقط الدومينو، ( 09
http://www.islamicnews.net/Document/ShowDoc01.asp?DocID=113101&TypeID=1&TabIndex=1
14
لكن ولأ ن كلّ بنك يجهل حقيقة وعمق المشكل المالي الذي يعاني منه البنك الآخر، فإّنه يرفض بالتالي إقراضه، وذلك
يعني تزايد عدد البنوك التي تعاني من مشاكل سيولة حتى لو كان وضعها جيدا وغير مشمولة بالأزمة، وهذا هو
الدومينو الخامس.
وبطبيعة الحال، إذا كان هناك عدد كبير من البنوك تعاني من مشاكل السيولة فإ ن النشاط المالي ككلّ يتأثر، ولذلك فإ ن
البنوك المركزية (الأمريكي والأوروبية) تقرض تلك البنوك أموالا، والهدف هو الحفاظ على توازن على المدى
المتو سط، وهذا هو الدومينو السادس.
العاملون في البورصة يحتاجون دائما إلى سيولة تحت أيديهم حتى لا يكونوا مضطرين إلى بيع أصول كلّ مرة يطلب
فيها أحد مستثمريهم مالا يستحقه عليهم، ولأ ن الكثير من أصول البورصة والأسهم تنخفض، فإنهم يبيعونها سواء
للحصول على السيولة أو بفعل الذعر من الوضع الذي تمر به السوق.
ويؤدي ذلك إلى مزيد من الهبوط في قيمة تلك الأصول، وهذا هو الدومينو السابع.
وهو ما يف سر سبب هبوط قيمة الأصول والأسهم ومعانات البنوك من نقص و انحصار السيولة.
-4 تأثير أزمة الائتمان العالمي على العالم العربي. 4
بقيت أسواق الأسهم العربية بمنأى عما يحدث في الأسواق العالمية، وشهدت خلال الأسابيع القليلة الماضية من
شهر سبتمير 2007 تقلبات شبه طبيعية، والسبب في ذلك يعود إلى أن غالبية اللاعبين في هذه الأسواق هم من
المستثمرين الأفراد الذين ليس لهم تواجد يذكر على الساحة العالمية، إضافة إلى قلة الترابط بين أسواقنا والأسواق
الدولية.
أما المستثمرون من بنوك ومؤسسات وشركات عالمية والذين استثمروا في السندات المغطاة بأصول عقارية فقد
تأثروا بشكل مباشر بالأزمة المالية الراهنة و تعرضوا لخسائر يصعب تقديرها.
انكشاف المصارف العربية على أزمة الرهن العقاري الأمريكي وأدواته المالية يعتبر محدودًا، فمعظم البنوك
العربية لا تستثمر سوى القليل في مثل هذه الأدوات. وحسب استطلاع أجرته شركة التصنيف الائتماني ”ستاندرد آند
بورز“ أخيرًا فإن مجموع استثمارات بنوك المنطقة في سندات الرهن العقاري ذات التصنيف الائتماني المنخفض لا
يزيد على % 1 من مجموع أصول هذه البنوك.
إن التقلبات الحاصلة في أسواق المال العالمية سيكون لها بعض الأثر على البورصات العربية، خصوصًا أسواق
الأسهم التي تسمح للمحافظ العالمية الاستثمار فيها. ففي فترات الأزمات يتجه المستثمر إلى تخفيض نسبة المخاطرة
لديه ويتحول من الأسواق الناشئة إلى استثمارات أكثر سيول ً ة وأمانًا مثل السندات الحكومية. وعلى الرغم من صغر
حجم تدفقات محافظ الاستثمار العالمية إلى أسواقنا المحلية إلا أنها ساهمت أخيرًا في تحديد التوجه العام للبورصات
العربية.
ويشار إلى أن أكبر أسواق الأسهم الإقليمية من حيث القيمة السوقية، ألا وهو سوق الأسهم السعودية، لا يسمح
للأجانب بامتلاك الأسهم إلا بشكل غير مباشر عن طريق صناديق الاستثمار التي تديرها البنوك المحلية، في حين أن
4 ‐ Banque mondiale, La crise financière :les répercussions pour les pays en développement, (10/02/2009), disponible sur :
http://web.worldbank.org/WBSITE/EXTERNAL/ACCUEILEXTN/PAYSEXTN/MENAINFRENCHEXT/0,,contentMDK:21977141~menuP
K:594478~pagePK:2865106~piPK:2865128~theSitePK:488784,00.html
15
أسواق كل من الإمارات والكويت ومصر وقطر والأردن تشهد وبشكل متصاعد زيادة في حجم الاستثمارات الأجنبية
في بورصاتها.
إن أكبر المخاطر التي قد تنجم عن الأزمة المالية الحالية هو احتمال حصول تباطؤ اقتصادي عالمي؛ فالهبوط
الذي سجل أخيرًا في أسعار العقارات السكنية في أمريكا وغيرها من الأصول والذي صاحبه ضغوط إضافية على
عملية الاقتراض له أثر سلبي على المستهلك الأمريكي المثقل أص ً لا بأعباء الديون، مما يؤدي إلى ظهور أزمة في
قطاع الائتمان عن طريق بطاقات الائتمان وارتفاع في معدلات تخلف الشركات عن سداد ديونها. وهذه كلها بوادر
لعملية تباطؤ اقتصادي قد تطول أو تقصر بحسب السياسة المالية والنقدية للولايات المتحدة. وسيشعر القائمون على
السياسة النقدية في دول المنطقة أنهم مضطرون لمجاراة السياسة النقدية التوسعية التي أخذت الولايات المتحدة بإتباعها
أخيرًا، وهو ما يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة المحلية وأسعار صرف العملات العربية المرتبطة بالدولار وسيزيد
من الضغوط التضخمية التي ظهرت مؤخرًا في عدد من دول المنطقة.
-5 تأثير أزمة الائتمان العالمي على الجزائر.
هي عدة جوانب أساسية منها الاستثمار الأجنبي ، تحديث البنوك و قطاع المحروقات:
الجزائر في إستراتيجيتها من أجل النمو بذلت مجهودات جبارة طيلة العشرية الحالية من أجل جذب الاستثمار
الأجنبي إلا أنه مع انتشار الأزمة الحالية و انحصار رؤوس الأموال فقد جمد معظم المستثمرين الكبار من انتشارهم
في الخارج و بالتالي ستعرف معظم المشاريع المشتركة جمودا لم تعرف مدته بعد.
بالنسبة لتحديث البنوك الجزائرية العمومية، فقد وضعت مخططات من أجل الخصخصة الجزئية لرؤوس
هاته العمليات تم ،« BDL » وبنك التنمية المحلية « CPA » أموالها مثلما هو الحال في القرض الشعبي الجزائري
تأجيلها مرارا و تكرارا لأسباب تنظيمية داخلية متعلقة بالبنوك في حد ذاتها ثم علقت في النهاية دون تحديد تواريخ
محددة لمواصلة الخصخصة. هذا التعليق ولو كان لأسباب داخلية بحتة كان سبب في تجنيب البنوك الجزائرية الآثار
المباشرة للأزمة.
الجزء الأكبر من مداخيل الجزائر الموجهة للتنمية الاقتصادية تتأتى من قطاع المحروقات 5، لكن مع
الانخفاض الشديد في أسعار البترول ستتعثر مخططات التنمية على المدى المتوسط و الطويل خاصة إذا طالت مدة
الأزمة.
. -6 أزمة الائتمان العالمي والمصارف الإسلامية 6
الفصل بين عملية التوزيع وشكل الإنتاج، في الاقتصاد الإسلامي، لا يمكن أن يكون فصلا ماديا، فالتداول في
مفهوم الاقتصاد الإسلامي، جزء من عمليات الإنتاج، لان نقل الثروة من مكان إلى آخر، يقرب المنتج من المستهلك،
مما يعني في كثير من الأحيان منفعة جديدة، ويعتبر بالتالي تطويرا للمادة إلى شكل أفضل بالنسبة إلى حاجة الإنسان .
5 ‐Algérie Focus, Crise financière mondiale : Le plan de financement de SOATRACH 2009/2013, (11/02/2009), disponible sur :
http://www.algerie‐focus.com/2009/01/26/crise‐financiere‐mondiale‐le‐plan‐de‐financement‐de‐la‐societed%
e2%80%99hydrocarbures‐algerienne‐sonatrach‐20092013/print/
‐ El watan, crise financière mondiale et chute des prix du brut : le FMI avertit les autorités, (12/02/2009), disponible sur :
http://www.elwatan.com/La‐hantise‐de‐la‐chute‐des‐prix‐du
6 -الشرق الأوسط، خبراء يؤآدون أن البنوك الإسلامية في مأمن من الأزمة العالمية: نظام المصرفية الإسلامية يحرم بيع الديون و المضاربة على رؤِوس الأموال، (
2009/02/13 )، متوفر على الموقع:
http://www.asharqalawsat.com/
16
ولكن الاقتصاد العالمي مبني على وهم مستندات مالية لا مقابل لها، وقيمتها مرتبطة سياسيا بحجم الطلب، في
سيل من المضاربات من دون تسلم فعلي للمواد.
هذه الشكلية من التعامل يدحضها النظام المالي الإسلامي بمعناه المادي، حيث أن في رأي كثير من الفقهاء، أن
التاجر إذا اشترى منتجا مثلا ولم يستلمه، لا يسمح له أن يربح فيه عن طريق بيعه بثمن اكبر، ويجوز له ذلك بعد
استلامه، مع أن عملية النقل القانونية تتم في الفقه الإسلامي بنفس العقد، ولا تتوقف على عمل ايجابي بعده، فالتاجر
يملك المنتج بعد العقد، وان لم يستلمه، ولكنه بالرغم من ذلك لا يسمح له فقها بالاتجار به، والحصول على ربح ما لم
يستلم المنتج، حرصا على ربط الأرباح التجارية بعمل، وإخراج التجارة من كونها مجرد عمل قانوني يدر ربحا؛
فأساس المشاكل المالية والمخاطر الدولية التي تهدد النظام المالي الدولي هو تخطي هذه القاعدة، فمع هذا التخطي، تم
زعزعة الملجأ المثالي للاستثمار الثابت للعائلات وهو القطاع العقاري.
فقد تم إعادة النظر في توقعات النمو في الولايات المتحدة لتصل إلى 2%، بدل 2.2 % ، مع الإشارة إلى أن هذه
الأزمة مرت بمرحلتين خلال العام 2007 ، ففي المرحلة الأولى، أدى تراجع أسعار العقارات، إلى انخفاض مستوى
الثروة للعائلات، والذي انعكس على قدرة العائلات على الاستدانة، هذه الانخفاض في بداية العام تم التعويض عنه
بعائدات كبيرة تم كسبها في مراهنات البورصة، لكن الأزمة الحالية زادت من خسائر الثروات، وأدت في مرحلة ثانية
إلى لجم الاستهلاك بقوة.
ولمعرفة الأبعاد الحقيقية لهذه الأزمة الكامنة يكفي أن نعرف أن إحصاءات بنك التسويات الدولية تقدر حجم
شهادات العرض الاستثمارية التي تم إصدارها في عام 2006 في أوروبا والولايات المتحدة بحوالي ألف مليار دولار،
ثلثها تقريبا مرتبط بأصول وقروض عقارية متدنية الملاءة، وعلى المستوى العالمي بلغ حجم هذه الوحدات نحو 350
مليار دولار في العام 2006 ؛ وفي العام نفسه كان حجم سوق القروض الأميركية ضعيفة الملاءة حوالي 400 مليار
دولار أو 18 % من إجمالي حجم السوق الأميركي.
ورغم اختلاف المبادئ، فان المصارف الإسلامية، وان كانت الأزمة الحالية غير مؤثرة فيها ، فقد لا تكون
مستقبلا بمعزل عن الأزمات الدولية، خاصة وان تقرير لوكالة الائتمان ستاندرد اند بورز، ذكر مؤخرًا، أن المؤسسات
المالية الإسلامية لا تسد سوى حوالي 15 % من حاجة السوق المتاحة من الخدمات المالية للمسلمين حول العالم، وأن
حجم الأصول المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يبلغ حاليا حوالي 400 مليار دولار، وهو أقل بكثير من حجم
السوق الذي تقول عنه وكالة الائتمان انه يبلغ حوالي 4 تريليونات دولار.
إن الدراسات الاقتصادية المتخصصة تتوقع أن يصل حجم الودائع والأصول المالية في نهاية العام 2010 إلى
حوالي 500 مليار دولار (نصف تريليون دولار) وسيستثمر منه 25 % في منطقة الشرق الأوسط، و 75 % في جميع
أنحاء العالم، فنكون بالتالي عرضة للمخاطر الترددية المتأتية من الخارج .
ولكن المناعة تأتي من النظام نفسه الذي يسقط المراهنة، ويخفض المخاطر عبر توزيعها بين الممول والمستثمر،
لتصبح المشاركة في البنية الاقتصادية هي أساس تفاعل الاقتصاد الإنساني، التي يشعر عبرها كل مستثمر بانتمائه عبر
هذه المساهمة .
ومن جهته أكد المحللون الاقتصاديون أن كل الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالعالم أدت إلى تحقيق الكثير من
الخسائر التي نتج عنها فقدان الكثير من العاملين في هذه المؤسسات لوظائفهم واضطراب الأسواق المالية وكثر الحديث
17
عن إمكانية حدوث كساد عالمي، وتساقطت المؤسسات المالية الكبرى الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو دون أدنى
مقاومة فلم تسعفها خبرتها الطويلة في تفادي هذه الأزمة أو التنبؤ بها، ولعل ما ظهر حتى الآن لا يعدو عن كونه قمة
جبل الجليد لهذه الأزمة.
كما أشاروا إلى أنه مع ضخامة هذه الأزمة واتساعها إلا أنها لم تؤثر في المصارف الإسلامية كون الشريعة
الإسلامية التي تحكم عمل هذه المؤسسات المالية تحرم التعامل في الأدوات المالية التي نتجت عنها أزمة الرهن
العقاري، مبينًا أنه نظرا لكون الكثير من المجتمعات الغربية المنكوبة بهذه الأزمة يوجد بها مؤسسات مالية إسلامية فإن
ذلك سيؤدي إلى سعي الكثير من الباحثين والدارسين في هذه المجتمعات إلى دراسة الأسس التي تقوم عليها هذه
المؤسسات وآليات عملها، في الوقت الذي سيحتاج فيه الدارس لهذه المؤسسات دراسة القرآن والسنة.
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي( سالم باعجاجة) أن عددا من البنوك العالمية تقوم الآن بالتعامل بالصيرفة
الإسلامية وافتتاح فروع خاصة بها، وذلك نظرًا للإقبال الشديد من قبل المتعاملين بالصيرفة الإسلامية سواء في الغرب
أو الدول الإسلامية، ونجاح الأدوات والمنتجات الإسلامية في تحقيق عوائد وأرباح أفضل مما تحققه البنوك التقليدية،
سيؤدي إلى معرفة الإسلام بشكل أكبر وأعمق.
؟ -7 كيف نستفيد من الأزمة المالية العالمية 7
يمكن النظر إلى عدة آثار للأزمة المالية العالمية، فبالإضافة إلى التأثير الواضح على الأسواق المالية، هناك
الأثر السلبي على تقييم موجودات البنوك، وما يتبعه من تخفيض لأرباحها، ولملاءتها المالية. ومنها التأثير على قيمة
الاستثمارات الحكومية في الخارج والداخل، مما يحد من قدرة الحكومات على الإنفاق؛ كما أن أثر الأزمة على
التصنيف الائتماني يؤثر على قدرتها على الاقتراض، وعلى تكلفة ذلك الإقراض في حالة كان متوفرًا. وقد أدت
الأزمة إلى التردد من قبل البنوك المحلية والأجنبية التي أوقفت كثيرًا من خطوط الائتمان لتمويل المشاريع الجديدة
والقائمة.
ولعل الأثر الأكثر أهمية حتى الآن هو تأثير الأزمة على أسعار النفط، التي تهاوت خلال أشهر قليلة إلى
مستويات لم نشهدها منذ سنوات. وقد انعكس هذا الانخفاض في التقديرات الرسمية التي ظهرت حتى الآن في ميزانيات
دول المنطقة لدخلها من البترول خلال السنة القادمة.
فمع كل هذه الآثار السلبية، هل هناك فرص نستطيع الاستفادة منها خلال الأزمة؟ فمن المهم أن نتذكر أن هذه
الأزمة كسابقاتها ستنتهي بعد أن تستنفد آثارها من خلال الدورة الاقتصادية. والاستفادة ممكنة للمستثمر الحصيف لأن
الأغلبية يميلون نفسيًا إلى التصرف بشكل متوافق مع الدورة الاقتصادية للأزمة، فحين يدخل الاقتصاد في فترة الركود
يتوقفون عن الاستثمار، بل يبيعون ما لديهم من استثمارات بأسعار زهيدة .والمستهلك بعيد النظر يستطيع أيضًا
الاستفادة من الأزمة.
مثل الأسهم والسندات، فالسهم اليوم ( financial assets ) وقد أثرت الأزمة المالية في أسعار الموجودات المالية
في السوق السعودي على سبيل المثال يكلف أقل من نصف تكلفته في بداية العام، وكثير منها يباع بأقل من قيمة
7 ‐Cameron et africa online television, L’afrique peut tirer profit de la crise financière mondiale, (12/02/2009), disponible sur :
http://www.africaontv.com/Members/destaflowers/lafrique‐peut‐tirer‐profit‐de‐la‐crise‐financiere‐mondiale.htm
18
الإصدار، مما يعني أن أسهم العوائد وأسهم الشركات الناجحة الأخرى أصبحت مغرية. أما السندات فتختلف، فبعضها
كما هو متوقع تأثر إيجابيًا وارتفعت قيمته، وبعضها الآخر انخفض بشكل كبير فسندات( جنرال موتورز) ُتباع بأقل من
%40 من قيمتها الاسمية.
وبالمثل أدى الركود الاقتصادي إلى تراجع الطلب على السلع والخدمات، مما أدى إلى تخفيض الأسعار العالمية،
ويعني ذلك ( energy intensive. ) بما في ذلك المواد الأولية ومواد البناء وجميع السلع التي تعتمد كثيرًا على الطاقة
أن الوقت مناسب لبناء بيت العمر بالمواصفات المناسبة، مستفيدين من تأثير الأزمة التصحيحي على قطاع العقار،
سواء في أسعار الأراضي أو مواد البناء.
-8 الخاتمة.
من خلال ما سبق يمكن القول أن الاقتصاد العالمي مر بالعديد من الأزمات السابقة التي تعددت أسبابها، آثارها، حيزها
و نتائجها. فالأزمات المالية والاقتصادية تمر وفقا لدورات تنتج عنها فترات توازن، ويمكن القول أن الأزمات هي شر
لا بد منه من أجل إعادة تنظيم الاقتصاديات كما يمكننا أيضا اقتراح مجموعة من الحلول تتمثل في:
التركيز على الاقتصاد الحقيقي الذي يصاحبه إنتاج وتبادل فعليين.
الأزمة المالية العالمية، انعكاساتها وحلولها.
د. الداوي الشيخ.
أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير- جامعة الجزائر
daouicheikh@yahoo.fr
في إطار مؤتمر:
الأزمة المالية العالمية وكيفية علاجها من منظور النظام الاقتصادي الغربي والإسلامي
14 آذار( مارس) 2009 - جامعة الجنان، طرابلس- لبنان / 13
2
مستخلص
تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على أسباب وجذور الأزمة المالية العالمية الحالية، الجوانب
والقطاعات الاقتصادية المتضررة التي تعرضت للصدمات الأولى الناتجة عن المد الأول للأزمة، ثم
الآثار اللاحقة وغير المباشرة على المستوى العالمي والعربي؛ بعد ذلك ستتعرض الدراسة لبعض الحلول المقترحة لما
بعد الأزمة.
- مقدمة.
يطغى الحديث هذه الأيام عن الأزمة المالية العالمية عما سواه من أحداث اقتصادية، حيث ظهرت مصطلحات
عديدة سيطرت على التحاليل مما زاد من إشاعة الهلع بين الناس، والغريب حقا أ ن الكثيرين من هؤلاء، ولاسيما في
الدول العربية لا يتوانون عن التأكيد بأّنهم لا يعرفون التفاصيل وأسباب الأزمة وكيف حدثت.
وما زاد من الحيرة، عودة النقاشات الإيديولوجية مثل الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي، أو الأزمة الدورية
للرأسمالية، أو سقوط النموذج الليبرالي وعودة التأميم والاشتراكية؛ ويؤكد الأخصائيون من جهة أخرى أن ما يحدث
أثناء هذه الأزمة المالية أمر بسيط، ولكن يتم تفسيره عادة بكلمات ومصطلحات معّقدة وهو ما يزيد في واقع الأمر من
حالة الذعر.
وعليه تحاول هذه الدراسة تحليل الإشكالية التالية:
ما المقصود بالأزمة المالية؟ ما أسباب وجذور الأزمة الحالية؟ ما هي نتائجها على المدى القصير والطويل؟ وما هي
الحلول الممكنة لهذه الأزمة؟
وتتمثل أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء على موضوع في غاية الأهمية، ألا وهو الأزمة المالية الحالية،
فالتحديات الراهنة التي تفرضها هذه الأزمة أفرزت ولا زالت تفرز أثارا في أغلبها هي سلبية على ليست فقط على
الدول النامية، بل تعدى ذلك إلى الدول المتقدمة، وما نشهده يوميا من إفلاس المؤسسات، وتسريح آلاف العمال،
وإحالتهم على البطالة لهو خير دليل على هذه الآثار السلبية؛ الأمر الذي يقودنا إلى ضرورة تشخيص هذه الأزمة.
بينما تهدف الدراسة إلى تحليل مفهوم الأزمة المالية من خلال التعريف بهذا المفهوم، وعرض المراحل التي
تعكس التطور التاريخي للأزمات المالية، ثم تسليط الضوء بتركيز أكثر على الأزمة المالية الحالية من حيث مراحلها،
جذورها، وتأثيراتها على الوطن العربي عموما، وعلى الجزائر خصوصا، وأخيرا تتناول الدراسة الدروس المستفادة
من هذه الأزمة.
3
أولا:- تعريف الأزمة المالية.
توجد إسهامات فكرية مختلفة حاولت تحديد ماهية الأزمة المالية، من بينها أن الأزمة هي:" حالة تمس
أسواق البورصة وأسواق الائتمان لبلد معين أو مجموعة من البلدان، وتكمن خطورتها في آثارها على
الاقتصاد مسببة بدورها أزمة اقتصادية تم انكماش اقتصادي عادة ما يصاحبها انحصار القروض أزمات
. السيولة والنقدية وانخفاض في الاستثمار وحالة من الذعر والحذر في أسواق المال" 1
ثانيا:- عرض وتحليل الأزمات المالية والنقدية.
لن نتعرض لجميع الأزمات لأنها عديدة، كما أنها أسبابها ومداها يختلف باختلاف الأزمة محل الدراسة،
لكننا سنتعرض بالتحليل لأوائل هذه الأزمات وأهمها تاريخيا، ثم نذكر بعض الأزمات التي تلت سنة 1973
بما أنها السنة التي تم فيها تغيير النظام المالي العالمي بعد تغيير نظام الصرف في الولايات المتحدة الأمريكية.
سنعرض هذه الأزمات- التي تتميز بكونها دورية- ملخصة بالاعتماد على عنصرين، أولهما عنصر
الأسواق المالية المعنية بالأزمة محل الدراسة، بينما يتضمن العنصر الثاني الميكانيزمات العاكسة للأزمة، وهذا
من خلال الجداول التالية:
.( 1797 -1720 - -1 عرض أولى الأزمات( 1637
الأزمة الأسواق المالية المعنية الميكانيزمات
أزمة 1637 السندات لأجل فبراير 1637 ، بعد عدة سنوات من المضاربة بأوروبا،
انخفضت الأسعار فجأة مسببة إفلاس المضاربين واعتبرها
المؤرخون أولى الأزمات المالية الناتجة عن المضاربة
انهيار 1720 الأسهم أزمتين متتاليتين تفرق بينهما بضعة أشهر بفرنسا وانجلترا
بخصوص أسهم الشركات التي تستغل موارد العالم الجديد.
الأزمة النقدية 1797 البنوك 26 فبراير 1797 ، بنك انجلترا يعرف انحصارا في
الاحتياطي ويقرر تعليق التخليص نقدا مما خلق الذعر بين
المواطنين والشركات الذين سارعوا إلى سحب مدخراتهم
وأرباحهم من البنوك والتسبب بإفلاس جماعي وهي أول أزمة
ناتجة عن الذعر الجماعي.
ب
1 - Le groupe wikipedia, Crise financière,[Online], dans : wikipedia : the free encyclopedia, disponible sur
http://fr.wikipedia.org/wiki/Crise_financière#Typologie_des_m.C3.A9canismes_de_crise_financi.C3.A8re, (08/02/2009).
4
1836 ).بل -1825 -1819 - -2 عرض أزمات القرن التاسع عشر( 1810
الأزمة الأسواق المالية المعنية الميكانيزمات
أزمة 1810 البنوك بعد حصار انجلترا من طرف نابليون، سقط نظام الائتمان بها
خاصة وأنها لم تستطع تحصيل حقوقها على شركات جنوب
أمريكا مما سبب أزمة سيولة وموجة بطالة تبعتها ميلاد
حركات نبذ التألية في المصانع.
أزمة 1819 البنوك هي أول أزمة مالية بالولايات المتحدة الأمريكية، نتجت عن
صرف الأموال في حرب 1812
وسياسة التقشف التي فرضها البنك المركزي الأمريكي.
أزمة 1825 الأسهم بعد المضاربة الشديدة على الاستثمارات المتواجدة بأمريكا
اللاتينية( البنوك، التأمينات، تسليح السفن، بناء القنوات...)،
انحدرت قيم أسهمها انحدارا شديدا في بورصة لندن فأفلست
بنوك عديدة وأكثر من 3300 مؤسسة؛ رغم أن هذه الأزمة
تركزت في بريطانيا العظمى إلا أنها تعتبر أولى الأزمات
التي مست البورصة.
انهيار 1836 الأسهم و البنوك شهدت انجلترا انهيارا آخر للبورصة بعد قرار الرئيس
الأمريكي "آندرو جاكسون" اشتراط بيع الأراضي مقابل معادن
ثمينة، وهو ما شكل ضربة قاضية للمضاربة في سوق العقار
بأمريكا؛ وبما أن البنوك الأمريكية كانت تقترض من بريطانيا
فقد تلقت هذه الأخيرة الجزء الأصعب من الصدمة قبل أن
تنتقل الأزمة إلى أمريكا في حد ذاتها سنة 1837
انهيار 1873 الأسهم 9 ماي 1873 ، بورصتي فينا والنمسا بدأتا ما يسمى بفترة
الكساد الكبير للاقتصاد العالمي بسبب المضاربات الضخمة
التي لم تقابلها سوى ضمانات متدنية بالإضافة إلى أنها لم تكن
مغطاة بإنتاج اقتصادي حقيقي مما سبب انهيارا كليا انتشر
على ألمانيا، أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية.
Source: Le groupe wikipedia, Crise financière,[Online], dans : wikipedia : the free encyclopedia, disponible
sur : http://fr.wikipedia.org/wiki/Crise_financière#Liste_des_crises_financi.C3.A8res, (09/02/2009).
5
.( 1979 -1974 - -3 عرض أزمات القرن العشرين( 1929
الأزمة الأسواق المالية
المعنية
الميكانيزمات
انهيار 1929 الأسهم أقوى أزمة اقتصادية عالمية في القرن الماضي
أزمة 1974 البنوك إفلاس البنك الألماني "هيرستات" بسبب التفاوت في
التوقيت بين ألمانيا و الولايات المتحدة الأمريكية وهي
أول مرة يتم فيها التعرف على مفهوم الخطر النظامي.
1979 البنك الفدرالي
الأمريكي
قام محافظ البنك برفع أسعار الفائدة تدريجيا وكل يوم
حسب الحاجة من أجل امتصاص التضخم وهي سياسة
نقدية أثبتت نجاحها آنذاك.
6
.( 1987 -1985 - -4 عرض أزمات ثمانينات القرن العشرين( 1982
الأزمة الأسواق المالية
المعنية
الميكانيزمات
1982 أزمة الديون
البنكية
البنوك
أسعار الفائدة
والأخطار النظامية
بعد أحداث 1973 في قطاع المحروقات، تراكمت
ديون الدول النامية، بالإضافة إلى ذلك لم تستعمل
القروض في الاستثمار وإنما في تغطيت العجز في
موازين المدفوعات مما زاد من حدة وقع أزمة
البترول الثانية في 1978 حيث أجبرت هاته الدول
على الاستدانة بأسعار فائدة عالية وعلى المدى القصير
مما أثقل كاهلها وجاءت أزمة المكسيك كأول رد فعل
وسببت الديون المعلقة حالة ذعر عالمية.
1985 بنك نيويورك
خطر نظامي
توقف نظام التشغيل ببنك نيويورك لمدة 28 ساعة
سبب التوقف الكلي لعمليات السحب والدفع للقروض
الحكومية مما استدعى التدخل المستعجل للبنك
المركزي ب 20 مليار دولار الذي يعتبر سابقة
تاريخية.
انهيار 1987 سوق السندات
الحكومية ثم سوق
الأسهم
خطر نظامي
بسبب انخفاض قيمة الدولار كسعر صرف ارتفعت
أسعار الفائدة المتعلقة بالمدى الطويل، ومع ذلك
واصلت أسواق الأسهم بالنمو و لكن عند بلوغ
الارتفاع في أسعار الفائدة 400 نقطة جاء الانهيار
مسجلا اكبر انهيار تاريخي في يوم واحد في بورصة
الأسهم وانتهت كذلك بتدخل البنك المركزي الأمريكي.
7
.(1998 -1997 -1994 -1992 - -5 عرض أزمات تسعينيات القرن العشرين( 1990
الأزمة الأسواق المالية
المعنية
الميكانيزمات
1990 المحروقات مع حرب الكويت
1992 النظام النقدي
الأوروبي
إعادة الهيكلة الفرنسية
20 سبتمبر 1992
الأزمة الاقتصادية
المكسيكية 1994
أسعار الفائدة
خطر نظامي
ارتباط العملة المكسيكية بالدولار الأمريكي شكل
ضمانة وهمية شجعت الاستدانة الأجنبية مما سبب
عجزا في ميزان المدفوعات استدعى التدخل الأمريكي
العاجل لكونه اقرب جيران المكسيك
أزمة الاقتصادية
الآسيوية
1997
البنوك نفس ما حصل للمكسيك تكرر في تايلاندا وانتقل إلى
دول شرق آسيا.
أزمة 1998 أسعار الفائدة
خطر نظامي
أطول أزمة اقتصادية في تاريخ روسيا ودول الاتحاد
السوفياتي سابق وهددت النظام المالي العالمي.
8
.( 2007 -2001 - -6 عرض أزمات الألفية الثالثة( 2000
الأزمة الأسواق المالية
المعنية
الميكانيزمات
2000 الأنترنيت
الأسهم
تهافت المؤسسات على البيع عن طريق الأنترنيت
دون وضع اللوجستيك والتوزيع بعين الاعتبار سبب
أزمة في مارس 2000
2001 خطر نظامي نتج عن أحداث 11 سبتمبر 2001 ، تدمير العديد من
فروع الأسواق المالية الدولية بالإضافة إلى تضرر
شبكات اتصال حيوية كأنظمة المقاصة و تدخل أيضا
البنك المركزي الأمريكي من خلال توفير السيولة
اللازمة للبنوك المتضررة ولمدة أسبوع كامل خوفا من
الخطر النظامي و بدوره البنك المركزي الأوروبي قدم
أكثر من 130 مليار اورو للبنوك الأوربية لتفادي
الانهيار.
الأزمة المالية 2007 سوق العقار
البنوك و الأسهم
خطر نظامي
الأسباب و التحليل في متن المداخلة.
Source : Idem
9
ثالثا:- بداية الأزمة المالية الحالية.
انطلقت بداية الأزمة الجديدة مع إعلان مؤسسة مالية عملاقة، هي "ليمان براذرز" عن إفلاسها الوقائي، وهذه كانت
بداية رمزية خطرة، لأن هذه المؤسسة العريقة كانت من الشركات القليلة التي نجت من مذبحة الكساد الكبير في عام
1929 ، وتعتبر من أقدم المؤسسات المالية الأمريكية، التي تأسست في القرن التاسع عشر، وهذا ما أ ّ كد تنبؤات ألن
غرسيبان، رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي السابق، بأن مؤسسات مالية ُ كبرى جديدة ستسير على درب "ليمان
براذرز".
في سبتمبر 2008 بدأت أزمة مالية عالمية والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929 م،
ابتدأت الأزمة أو ً لا بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم ليشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية
والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت
في الولايات المتحدة خلال العام 2008 م إلى 19 بنكًا، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك
الأمريكية البالغ عددها 8400 بنك.
-1 المراحل الكبرى في الأزمة المالية منذ اندلاعها.
نوجز المراحل الكبرى في الأزمة المالية التي اندلعت في بداية العام 2007 في الولايات المتحدة وبدأت تطال أوروبا
كما يلي: 2
• فبراير 2007 : عدم تسديد قروض الرهن العقاري( الممنوحة لمدينين لا يتمتعون بقدرة كافية على التسديد)،
هذا التراكم في الولايات المتحدة سبب أولى عمليات الإفلاس في مؤسسات مصرفية متخصصة.
• أغسطس 2007 : البورصات تدهورت أمام مخاطر اتساع الأزمة، والمصارف المركزية تدخلت لدعم سوق
السيولة.
• أكتوبر إلى ديسمبر 2007 : عدة مصارف كبرى أعلنت انخفاضًا كبيرًا في أسعار أسهمها بسبب أزمة الرهن
العقاري.
• يناير 2008 : الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) خفض معدل فائدته الرئيسية ثلاثة أرباع النقطة
إلى 3.50 %، كإجراء استثنائي؛ ثم جرى التخفيض تدريجيا إلى 2% بين شهري كانون الثاني ونهاية نيسان.
2 ‐ Le groupe wikipedia, Crise financière,[Online], dans : wikipedia : the free encyclopedia, disponible sur
http://ar.wikipedia.org/wiki/ا٠أز٠Ø_ا٠٠ا٠٠Ø_ا٠عا٠٠٠Ø#.D8.A2.D8.B1.D8.A7.D8.
A1_.D8.AD.D9.83.D8.A7.D9.85_.D9.88.D9.82.D8.A7.D8.AF.D8.A9_.D8.A7.D9.84.D8.B9.D8.A7.D9.84.D9.85_.D9.81.D9.8A_
.D8.AE.D8.B7.D8.A9_.D8.A7.D9.84.D8.A5.D9.86.D9.82.D8.A7.D8.B0_.D8.A7.D9.84.D9.85.D8.A7.D9.84.D9.8A,
(09/02/2009).
10
17 فبراير، 2008 : الحكومة البريطانية أممت بنك "نورذرن روك". •
• مارس 2008 : تضافر جهود المصارف المركزية مجددا لمعالجة سوق القروض.
• مارس 2008 : "جي بي مورغان تشيز" أعلن شراء بنك الأعمال الأمريكي "بير ستيرنز" بسعر متدن ومع
المساعدة المالية للاحتياطي الاتحادي.
7 سبتمبر 2008 : وزارة الخزانة الأمريكية وضعت المجموعتين العملاقتين في مجال قروض الرهن العقاري •
"فريدي ماك" و"فاني ماي" تحت الوصاية طيلة الفترة التي تحتاجانها لإعادة هيكلة ماليتهما، مع كفالة ديونهما
حتى حدود 200 مليار دولار.
15 سبتمبر 2008 : اعترف بنك الأعمال "ليمان براذرز" بإفلاسه بينما أعلن أحد أبرز المصارف الأمريكية •
وهو "بنك أوف أميركا" شراء بنك آخر للأعمال في بورصة وول ستريت هو بنك "ميريل لينش".
• عشرة مصارف دولية اتفقت على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال 70 مليار دولار لمواجهة أكثر حاجاتها
إلحاحًا، في حين وافقت المصارف المركزية على فتح مجالات التسليف؛ إلا أن ذلك لم يمنع تراجع البورصات
العالمية.
16 سبتمبر 2008 : الاحتياطي الاتحادي والحكومة الأمريكية تؤممان بفعل الأمر الواقع أكبر مجموعة تأمين •
في العالم "أي آي جي" المهددة بالإفلاس عبر منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل امتلاك 9.79 % من
رأسمالها.
17 سبتمبر 2008 : البورصات العالمية واصلت تدهورها والقروض يضعف في النظام المالي. و المصارف •
المركزية كثفت من العمليات الرامية إلى تقديم السيولة للمؤسسات المالية.
18 سبتمبر 2008 : البنك البريطاني "لويد تي أس بي" اشترى منافسه "أتش بي أو أس" المهدد بالإفلاس. •
• السلطات الأمريكية أعلنت أنها تعد خطة بقيمة 700 مليار دولار لتخليص المصارف من أصولها غير القابلة
للبيع.
19 سبتمبر 2008 : الرئيس الأمريكي جورج بوش وجه نداء من أجل "التحرك فورًا" بشأن خطة إنقاذ •
المصارف لتفادي تفاقم الأزمة في الولايات المتحدة.
23 سبتمبر 2008 : الأزمة المالية طغت على المناقشات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. •
• الأسواق المالية ضاعفت قلقها أمام المماطلة حيال الخطة الأمريكية للإنقاذ المالي.
11
26 سبتمبر 2008 : انهيار سعر سهم المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية "فورتيس" في البورصة •
بسبب شكوك بشأن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها؛ وفي الولايات المتحدة اشترى بنك "جي بي مورغان" منافسه
"واشنطن ميوتشوال" بمساعدة السلطات الفدرالية.
28 سبتمبر 2008 : خطة الإنقاذ الأمريكية موضع اتفاق في الكونغرس؛ بينما أوروبا جرى تعويم "فورتيس" •
من قبل سلطات بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وفي بريطانيا جرى تأميم بنك "برادفورد وبينغلي".
29 سبتمبر 2008 : مجلس النواب الأمريكي رفض خطة الإنقاذ، وبورصة وول ستريت انهارت بعد ساعات •
قليلة من تراجع البورصات الأوروبية بشدة، في حين واصلت معدلات الفوائد بين المصارف ارتفاعها مانع ً ة
المصارف من إعادة تمويل ذاتها.
• أعلن بنك "سيتي غروب" الأميركي أنه يشتري منافسه بنك "واكوفيا" بمساعدة السلطات الفدرالية.
1 نوفمبر 2008 : مجلس الشيوخ الأميركي أقر خطة الإنقاذ المالي المعدلة. •
-2 جذور الأزمة.
يبقى السؤال الأهم في نظرنا هو: ما هي أسباب هذه الأزمة؟ وهل هي عابرة سببها اضطراب سوق العقار أو انفصال
الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي أو انخفاض، ثم ارتفاع أسعار الفائدة أو "مج رد حركة تصحيحية في الأسواق
المالية"، أم أن سببها الأعمق العولمة النيو - ليبرالية ال منفلتة من لجامها والفجوة التي لا تني تتو سع في داخل الدول
بين الفقراء والأغنياء، والتضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة؟
خلال حقبة العولمة النيو - ليبرالية التي بدأت في سبعينات القرن العشرين، م رت المراكز الرأسمالية الكبرى، خاصة
انتقلت بموجبها الرأسمالية الغربية ،(deindustrialization) الولايات المتحدة، بعملية "لا تصنيع" أو نزع التصنيع
من الاعتماد على الأسواق المحلية - القومية إلى الشكل الحالي من العولمة عبر نقل الصناعات الثقيلة المل وثة إلى
الصين والهند وغيرهما.
وترافق ذلك مع "تحرير" أسواق المال ونزع كل القيود المن َ ظمة لها، مما أدى إلى هجرة جماعية للرؤوس الأموال إلى
"الجّنات الآسيوية" وأيضًا إلى تقسيم عمل دولي جديد:
التكنولوجيا المتطورة والبحث والتطوير والسلع "الخاصة" (الخدمات المالية) في المراكز الرأسمالية والعمليات
الصناعية التقليدية في الأطراف.
هذا التطور لم يؤد فقط إلى خلق بطالة واسعة النِّطاق في الغرب، بل أيضًا إلى تو سع هائل للأسواق المالية التي
انفتحت بسرعة، فبات القطاع المالي في بريطانيا، على سبيل المثال، مسؤو ً لا عن نصف النمو الاقتصادي، وكذا الأمر
بالنسبة للقطاع المالي العقاري في أمريكا حتى عام 2006 ، و كلا القطاعين اعتمدا بشكل كامل على المضاربة وليس
على الاقتصاد الحقيقي.
12
بدأت الأزمة بعد تزايد حدة قلق المتعاملين في أسواق المال بشأن الظروف التي تمر بها أسواق الائتمان في
العالم، والتي أرجع المحللون معظمها إلى المشاكل التي تعرضت لها سوق الإقراض العقاري الأمريكي المعروفة باسم
"ساب برايم" والتي تمنح للراغبين في السكنى من دون الاشتراط بأن يكون للمقترض سجل مالي قوي، شهدت
القروض الموجهة لضعيفي الملاءة طفرة في أمريكا خلال الأعوام الأخيرة ولم يكن هناك ما هو أسهل من الحصول
على قرض سكني.
فإذا كانت الجدارة الائتمانية لطالب القرض متدنية أو كان لديه تاريخ بالإفلاس، فهذا لا يهم؛ وإذا كان دخله
متدنيًا إلى حد لا يكفي للتأهل للحصول على قرض، فكل ما عليه أن يفعله هو محاولة الحصول على القرض من خلال
تعبئة طلب خاص "يصرح فيه عن دخله" ( ويكتفي البنك بذلك وإن كان يتعين عليه التحقق من بيان الدخل ).
وإذا كان طالب القرض يشعر بالتوتر من أن الجهة المقرضة يمكن أن تستعلم عن "الدخل المصرح" فكل ما عليه
هو زيارة موقع شركة معينة على الإنترنت ومقابل رسوم مقدارها 55 دولارا سيساعدك المأمورون العاملون في هذه
الشركة الصغيرة( مقرها ولاية كاليفورنيا ) في الحصول على قرض بتوظيفك على أنك "مقاول مستقل"، وسيعطونك
إشعارات بالرواتب لتكون "دلي ً لا" على الدخل، وإذا دفعت رسمًا إضافيًا مقداره 25 دولارًا فإنهم يضعون مأموري
الهاتف الذين يردون على المكالمات ويجيبون أجوبة تعطي عنك صورة براقة إذا احتاج البنك إلى الاستفسار عن
وضعك.
لعل أكثر جانب سقيم بالنسبة لسوق القروض لضعيفي الملاءة في السنوات الأخيرة هو أن الجهات المقرضة
بلغت من السخاء في تزويد القروض للمقترضين الفقراء حدًا جعل القلة القليلة منها فقط هي التي تقوم بالاستفسارات
إن فعلت ذلك أص ً لا.
"الساب برايم" ساهمت في تدهور أسعار الأسهم بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، وقد كانت أسهم القطاع المصرفي
وعلى وجه التحديد بنوك يو بي إس، وإتش إس بي سي، وباركليز قاطرة الانهيار في أسعار الأسهم، حيث كانت هي
الأكثر تضررا خلال الأزمة، وهو أمر لفت أنظار المحللين الماليين الذين فسروا ذلك بأن المستثمرين في البورصة لا
يعرفون أي البنوك معرضة لمشكلات الائتمان العقاري ومدى خسائرها المحتملة، فبدأ الجميع في البيع بشكل هستيري.
وعلى هذا الصعيد علقت قرابة 70 شركة رهن عقاري أمريكية عملياتها وأعلنت إفلاسها، أو عرضت للبيع منذ بداية
عام 2006 وحتى الآن، وذكرت شركة "كونتري فاينانشيال" أن مصاعب سوق الرهن العقاري أصبحت تهدد أرباحها
ووضعها المالي جديا، وأخيرا أعلنت شركة "هوم مورتجيج إنڤستمنت" إفلاسها، وانخفضت الإيرادات ربع السنوية
لشركة "تول بروذرز" العقارية، وأعلنت شركة هوم ديبو العاملة في المجال العقاري توقع تراجع أرباحها أيضا بسبب
تراجع سوق العقارات السكنية.
وعلى الرغم من كل الإجراءات إلا أن هذا لم يؤد إلى منع انتشار الظاهرة عالميا، والتي عبرت عن نفسها في تراجع
أسواق المال في كل من تايلاند وماليزيا وهونج كونج وإندونيسيا وكوريا وسنغافورة وتايوان كان تراجع سوق الصين
أقل من نظيراتها الآسيوية حيث أعلنت البنوك في الصين أنها لا تمتلك استثمارات مرتبطة بمشكلات الرهن العقاري
الأمريكي، وفي أوروبا وصف المحللون الماليون الأزمة هناك بأنها أزمة خطيرة تهدد النظام المالي الأوروبي ولكنها
ليست كارثية، وقد تراجعت أسواق السويد وهولندا والنرويج وبلجيكا والنمسا والدنمارك وفنلندا، وانخفض مؤشر(
13
فاينانشيال تايمز) البريطاني، وداكس الألماني، وكاك 40 الفرنسي، وڤوستي البريطاني، وميبتل الإيطالي، وتوبكس
الأوسع نطاقا والذي سجل أدنى نقطة منذ نوفمبر 2006 ، ومؤشر نيكاي الياباني الذي أقفل عند أقل معدل له منذ ثمانية
أشهر، وذلك بعد أن انعكست مشاعر المستثمرين المضطربة بشكل واضح على مؤشر داو جونز الصناعي الذي اهتز
بعنف لينخفض إلى مستويات أدنى من حاجز ال 13000 نقطة، بينما فقد مؤشر ناسداك نحو 1.7 من قيمته.
-3 نظرية الدومينو.
توجد عدة اسهامات علمية تناولت هذه الأزمة بالدراسة والتحليل، وحاول البعض تقديم صورة مب سطة للأزمة
المالية العالمية الأخيرة، من بينهم الباحث الفرنسي الشاب طوماس غينولي؛ فقد تبعا لوجهة نظرة( غينولي) 3 فإ ن ما
يل ّ خص الأزمة هو مفعول الدومينو؛ فإذا كان هناك صفين من الدومينو تم وضعهما إلى جانب بعضهما البعض، وهناك
ص ّ ف آخر من الدومينو تم وضعه خلفهما: الصفان الأماميان يقعان، وكرد فعل تتابعي يسقط البقية؛ ففي الولايات
المتحدة مثلا تقوم مؤسسات إقراض بتمويل أصول وعقارات وممتلكات وبضائع لأناس يكون واضحا من الأول أنهم
ليسوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية، ينبغي على هؤلاء خلال السنتين الأوليين دفع فوائد تلك القروض، وفي
السنة الثالثة يقومون بدفع الدين وفوائده.
ولكن هناك حاليا الكثير من هؤلاء الذين لا يقدرون على الدفع، وهو ما يعني أ ن قيمة تلك القروض قد ضعفت،
وهذا هو أ ول دومينو في الصفين الأولين؛ يضاف إلى ذلك أنه في الولايات المتحدة مؤسسات إقراض توافق على ديون
تمنح بموجبها أموالا لأناس يملكون عقّارا يتم استخدامه ككفالة أو ضمانة للقرض، ولكن منذ مدة بدأ الطلب على
العقارات في التضاؤل إلى أن وصل إلى حد التج مد حيث ليس هناك طلب أصلا على شراء العقارات، وأدى ذلك
بطبيعة الحال إلى هبوط أسعار العقارات، وهو ما يدفع مؤسسات الإقراض إلى طلب السيولة، والتعويض من أولئك
الأشخاص الذين لا يملكون بالضرورة مالا.
وتبعا لذلك تبدأ تلك المؤسسات في المعاناة من أجل الحفاظ على قيمة تلك القروض والديون، وهو ما يضعف من قيمتها
في السوق والتعاملات المالية، وهذا هو الدومينو الثاني؛ هذه المؤسسات المالية قامت بتحويل تلك القروض إلى
"أصول" أي أنها حولتها إلى منتج جديد يمكن بيعه وشراؤه في البورصة، أي مثل أن تكون تدين لشخص بالمال، ويقوم
هذا الشخص ببيع دينك لشخص آخر، ونظرا لكون "الأرباح الموعودة" من هذه العملية مرتفعة، فقد أقدمت صناديق
الاستثمار على شراء هذه "الأصول" في البورصة؛ ولكن مع بدء هذه الأصول في فقدان قيمتها، أرادت صناديق
الاستثمار التخلص منها ببيعها؛ ولكن المشكل أّنه ليس هناك من مشترين باستثناء راغبين في الشراء بأسعار متدنية،
وهذا هو الدومينو الثالث.
ولتجنب مشاكل انعدام السيولة، تقوم صناديق الاستثمار هذه ببيع أصول أخرى تملكها في البورصة ولا علاقة لها بهذه
القروض، وبفعل ذلك، ولاسيما التس رع، تهبط قيمة هذه الأصول، ولكن زيادة على ذلك، فإ ن البنوك التي اشترت منها
هذه الصناديق تلك الأصول، تخسر الكثير من الأموال، وهذا هو الدومينو الرابع.
هذه البنوك التي فقدت الكثير من الأموال، وتعاني من نقص السيولة، ستحاول الحصول على الأموال بواسطة
الاقتراض من بنوك أخرى، وهو أمر يومي في الأسواق، ويعرف بالسوق المالية بين البنوك؛
2009 )، متوفر على الموقع: /02/ 3 - نبأ وآالة الأخبار الإسلامية، الأزمة المالية العالمية و نظرية تساقط الدومينو، ( 09
http://www.islamicnews.net/Document/ShowDoc01.asp?DocID=113101&TypeID=1&TabIndex=1
14
لكن ولأ ن كلّ بنك يجهل حقيقة وعمق المشكل المالي الذي يعاني منه البنك الآخر، فإّنه يرفض بالتالي إقراضه، وذلك
يعني تزايد عدد البنوك التي تعاني من مشاكل سيولة حتى لو كان وضعها جيدا وغير مشمولة بالأزمة، وهذا هو
الدومينو الخامس.
وبطبيعة الحال، إذا كان هناك عدد كبير من البنوك تعاني من مشاكل السيولة فإ ن النشاط المالي ككلّ يتأثر، ولذلك فإ ن
البنوك المركزية (الأمريكي والأوروبية) تقرض تلك البنوك أموالا، والهدف هو الحفاظ على توازن على المدى
المتو سط، وهذا هو الدومينو السادس.
العاملون في البورصة يحتاجون دائما إلى سيولة تحت أيديهم حتى لا يكونوا مضطرين إلى بيع أصول كلّ مرة يطلب
فيها أحد مستثمريهم مالا يستحقه عليهم، ولأ ن الكثير من أصول البورصة والأسهم تنخفض، فإنهم يبيعونها سواء
للحصول على السيولة أو بفعل الذعر من الوضع الذي تمر به السوق.
ويؤدي ذلك إلى مزيد من الهبوط في قيمة تلك الأصول، وهذا هو الدومينو السابع.
وهو ما يف سر سبب هبوط قيمة الأصول والأسهم ومعانات البنوك من نقص و انحصار السيولة.
-4 تأثير أزمة الائتمان العالمي على العالم العربي. 4
بقيت أسواق الأسهم العربية بمنأى عما يحدث في الأسواق العالمية، وشهدت خلال الأسابيع القليلة الماضية من
شهر سبتمير 2007 تقلبات شبه طبيعية، والسبب في ذلك يعود إلى أن غالبية اللاعبين في هذه الأسواق هم من
المستثمرين الأفراد الذين ليس لهم تواجد يذكر على الساحة العالمية، إضافة إلى قلة الترابط بين أسواقنا والأسواق
الدولية.
أما المستثمرون من بنوك ومؤسسات وشركات عالمية والذين استثمروا في السندات المغطاة بأصول عقارية فقد
تأثروا بشكل مباشر بالأزمة المالية الراهنة و تعرضوا لخسائر يصعب تقديرها.
انكشاف المصارف العربية على أزمة الرهن العقاري الأمريكي وأدواته المالية يعتبر محدودًا، فمعظم البنوك
العربية لا تستثمر سوى القليل في مثل هذه الأدوات. وحسب استطلاع أجرته شركة التصنيف الائتماني ”ستاندرد آند
بورز“ أخيرًا فإن مجموع استثمارات بنوك المنطقة في سندات الرهن العقاري ذات التصنيف الائتماني المنخفض لا
يزيد على % 1 من مجموع أصول هذه البنوك.
إن التقلبات الحاصلة في أسواق المال العالمية سيكون لها بعض الأثر على البورصات العربية، خصوصًا أسواق
الأسهم التي تسمح للمحافظ العالمية الاستثمار فيها. ففي فترات الأزمات يتجه المستثمر إلى تخفيض نسبة المخاطرة
لديه ويتحول من الأسواق الناشئة إلى استثمارات أكثر سيول ً ة وأمانًا مثل السندات الحكومية. وعلى الرغم من صغر
حجم تدفقات محافظ الاستثمار العالمية إلى أسواقنا المحلية إلا أنها ساهمت أخيرًا في تحديد التوجه العام للبورصات
العربية.
ويشار إلى أن أكبر أسواق الأسهم الإقليمية من حيث القيمة السوقية، ألا وهو سوق الأسهم السعودية، لا يسمح
للأجانب بامتلاك الأسهم إلا بشكل غير مباشر عن طريق صناديق الاستثمار التي تديرها البنوك المحلية، في حين أن
4 ‐ Banque mondiale, La crise financière :les répercussions pour les pays en développement, (10/02/2009), disponible sur :
http://web.worldbank.org/WBSITE/EXTERNAL/ACCUEILEXTN/PAYSEXTN/MENAINFRENCHEXT/0,,contentMDK:21977141~menuP
K:594478~pagePK:2865106~piPK:2865128~theSitePK:488784,00.html
15
أسواق كل من الإمارات والكويت ومصر وقطر والأردن تشهد وبشكل متصاعد زيادة في حجم الاستثمارات الأجنبية
في بورصاتها.
إن أكبر المخاطر التي قد تنجم عن الأزمة المالية الحالية هو احتمال حصول تباطؤ اقتصادي عالمي؛ فالهبوط
الذي سجل أخيرًا في أسعار العقارات السكنية في أمريكا وغيرها من الأصول والذي صاحبه ضغوط إضافية على
عملية الاقتراض له أثر سلبي على المستهلك الأمريكي المثقل أص ً لا بأعباء الديون، مما يؤدي إلى ظهور أزمة في
قطاع الائتمان عن طريق بطاقات الائتمان وارتفاع في معدلات تخلف الشركات عن سداد ديونها. وهذه كلها بوادر
لعملية تباطؤ اقتصادي قد تطول أو تقصر بحسب السياسة المالية والنقدية للولايات المتحدة. وسيشعر القائمون على
السياسة النقدية في دول المنطقة أنهم مضطرون لمجاراة السياسة النقدية التوسعية التي أخذت الولايات المتحدة بإتباعها
أخيرًا، وهو ما يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة المحلية وأسعار صرف العملات العربية المرتبطة بالدولار وسيزيد
من الضغوط التضخمية التي ظهرت مؤخرًا في عدد من دول المنطقة.
-5 تأثير أزمة الائتمان العالمي على الجزائر.
هي عدة جوانب أساسية منها الاستثمار الأجنبي ، تحديث البنوك و قطاع المحروقات:
الجزائر في إستراتيجيتها من أجل النمو بذلت مجهودات جبارة طيلة العشرية الحالية من أجل جذب الاستثمار
الأجنبي إلا أنه مع انتشار الأزمة الحالية و انحصار رؤوس الأموال فقد جمد معظم المستثمرين الكبار من انتشارهم
في الخارج و بالتالي ستعرف معظم المشاريع المشتركة جمودا لم تعرف مدته بعد.
بالنسبة لتحديث البنوك الجزائرية العمومية، فقد وضعت مخططات من أجل الخصخصة الجزئية لرؤوس
هاته العمليات تم ،« BDL » وبنك التنمية المحلية « CPA » أموالها مثلما هو الحال في القرض الشعبي الجزائري
تأجيلها مرارا و تكرارا لأسباب تنظيمية داخلية متعلقة بالبنوك في حد ذاتها ثم علقت في النهاية دون تحديد تواريخ
محددة لمواصلة الخصخصة. هذا التعليق ولو كان لأسباب داخلية بحتة كان سبب في تجنيب البنوك الجزائرية الآثار
المباشرة للأزمة.
الجزء الأكبر من مداخيل الجزائر الموجهة للتنمية الاقتصادية تتأتى من قطاع المحروقات 5، لكن مع
الانخفاض الشديد في أسعار البترول ستتعثر مخططات التنمية على المدى المتوسط و الطويل خاصة إذا طالت مدة
الأزمة.
. -6 أزمة الائتمان العالمي والمصارف الإسلامية 6
الفصل بين عملية التوزيع وشكل الإنتاج، في الاقتصاد الإسلامي، لا يمكن أن يكون فصلا ماديا، فالتداول في
مفهوم الاقتصاد الإسلامي، جزء من عمليات الإنتاج، لان نقل الثروة من مكان إلى آخر، يقرب المنتج من المستهلك،
مما يعني في كثير من الأحيان منفعة جديدة، ويعتبر بالتالي تطويرا للمادة إلى شكل أفضل بالنسبة إلى حاجة الإنسان .
5 ‐Algérie Focus, Crise financière mondiale : Le plan de financement de SOATRACH 2009/2013, (11/02/2009), disponible sur :
http://www.algerie‐focus.com/2009/01/26/crise‐financiere‐mondiale‐le‐plan‐de‐financement‐de‐la‐societed%
e2%80%99hydrocarbures‐algerienne‐sonatrach‐20092013/print/
‐ El watan, crise financière mondiale et chute des prix du brut : le FMI avertit les autorités, (12/02/2009), disponible sur :
http://www.elwatan.com/La‐hantise‐de‐la‐chute‐des‐prix‐du
6 -الشرق الأوسط، خبراء يؤآدون أن البنوك الإسلامية في مأمن من الأزمة العالمية: نظام المصرفية الإسلامية يحرم بيع الديون و المضاربة على رؤِوس الأموال، (
2009/02/13 )، متوفر على الموقع:
http://www.asharqalawsat.com/
16
ولكن الاقتصاد العالمي مبني على وهم مستندات مالية لا مقابل لها، وقيمتها مرتبطة سياسيا بحجم الطلب، في
سيل من المضاربات من دون تسلم فعلي للمواد.
هذه الشكلية من التعامل يدحضها النظام المالي الإسلامي بمعناه المادي، حيث أن في رأي كثير من الفقهاء، أن
التاجر إذا اشترى منتجا مثلا ولم يستلمه، لا يسمح له أن يربح فيه عن طريق بيعه بثمن اكبر، ويجوز له ذلك بعد
استلامه، مع أن عملية النقل القانونية تتم في الفقه الإسلامي بنفس العقد، ولا تتوقف على عمل ايجابي بعده، فالتاجر
يملك المنتج بعد العقد، وان لم يستلمه، ولكنه بالرغم من ذلك لا يسمح له فقها بالاتجار به، والحصول على ربح ما لم
يستلم المنتج، حرصا على ربط الأرباح التجارية بعمل، وإخراج التجارة من كونها مجرد عمل قانوني يدر ربحا؛
فأساس المشاكل المالية والمخاطر الدولية التي تهدد النظام المالي الدولي هو تخطي هذه القاعدة، فمع هذا التخطي، تم
زعزعة الملجأ المثالي للاستثمار الثابت للعائلات وهو القطاع العقاري.
فقد تم إعادة النظر في توقعات النمو في الولايات المتحدة لتصل إلى 2%، بدل 2.2 % ، مع الإشارة إلى أن هذه
الأزمة مرت بمرحلتين خلال العام 2007 ، ففي المرحلة الأولى، أدى تراجع أسعار العقارات، إلى انخفاض مستوى
الثروة للعائلات، والذي انعكس على قدرة العائلات على الاستدانة، هذه الانخفاض في بداية العام تم التعويض عنه
بعائدات كبيرة تم كسبها في مراهنات البورصة، لكن الأزمة الحالية زادت من خسائر الثروات، وأدت في مرحلة ثانية
إلى لجم الاستهلاك بقوة.
ولمعرفة الأبعاد الحقيقية لهذه الأزمة الكامنة يكفي أن نعرف أن إحصاءات بنك التسويات الدولية تقدر حجم
شهادات العرض الاستثمارية التي تم إصدارها في عام 2006 في أوروبا والولايات المتحدة بحوالي ألف مليار دولار،
ثلثها تقريبا مرتبط بأصول وقروض عقارية متدنية الملاءة، وعلى المستوى العالمي بلغ حجم هذه الوحدات نحو 350
مليار دولار في العام 2006 ؛ وفي العام نفسه كان حجم سوق القروض الأميركية ضعيفة الملاءة حوالي 400 مليار
دولار أو 18 % من إجمالي حجم السوق الأميركي.
ورغم اختلاف المبادئ، فان المصارف الإسلامية، وان كانت الأزمة الحالية غير مؤثرة فيها ، فقد لا تكون
مستقبلا بمعزل عن الأزمات الدولية، خاصة وان تقرير لوكالة الائتمان ستاندرد اند بورز، ذكر مؤخرًا، أن المؤسسات
المالية الإسلامية لا تسد سوى حوالي 15 % من حاجة السوق المتاحة من الخدمات المالية للمسلمين حول العالم، وأن
حجم الأصول المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يبلغ حاليا حوالي 400 مليار دولار، وهو أقل بكثير من حجم
السوق الذي تقول عنه وكالة الائتمان انه يبلغ حوالي 4 تريليونات دولار.
إن الدراسات الاقتصادية المتخصصة تتوقع أن يصل حجم الودائع والأصول المالية في نهاية العام 2010 إلى
حوالي 500 مليار دولار (نصف تريليون دولار) وسيستثمر منه 25 % في منطقة الشرق الأوسط، و 75 % في جميع
أنحاء العالم، فنكون بالتالي عرضة للمخاطر الترددية المتأتية من الخارج .
ولكن المناعة تأتي من النظام نفسه الذي يسقط المراهنة، ويخفض المخاطر عبر توزيعها بين الممول والمستثمر،
لتصبح المشاركة في البنية الاقتصادية هي أساس تفاعل الاقتصاد الإنساني، التي يشعر عبرها كل مستثمر بانتمائه عبر
هذه المساهمة .
ومن جهته أكد المحللون الاقتصاديون أن كل الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالعالم أدت إلى تحقيق الكثير من
الخسائر التي نتج عنها فقدان الكثير من العاملين في هذه المؤسسات لوظائفهم واضطراب الأسواق المالية وكثر الحديث
17
عن إمكانية حدوث كساد عالمي، وتساقطت المؤسسات المالية الكبرى الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو دون أدنى
مقاومة فلم تسعفها خبرتها الطويلة في تفادي هذه الأزمة أو التنبؤ بها، ولعل ما ظهر حتى الآن لا يعدو عن كونه قمة
جبل الجليد لهذه الأزمة.
كما أشاروا إلى أنه مع ضخامة هذه الأزمة واتساعها إلا أنها لم تؤثر في المصارف الإسلامية كون الشريعة
الإسلامية التي تحكم عمل هذه المؤسسات المالية تحرم التعامل في الأدوات المالية التي نتجت عنها أزمة الرهن
العقاري، مبينًا أنه نظرا لكون الكثير من المجتمعات الغربية المنكوبة بهذه الأزمة يوجد بها مؤسسات مالية إسلامية فإن
ذلك سيؤدي إلى سعي الكثير من الباحثين والدارسين في هذه المجتمعات إلى دراسة الأسس التي تقوم عليها هذه
المؤسسات وآليات عملها، في الوقت الذي سيحتاج فيه الدارس لهذه المؤسسات دراسة القرآن والسنة.
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي( سالم باعجاجة) أن عددا من البنوك العالمية تقوم الآن بالتعامل بالصيرفة
الإسلامية وافتتاح فروع خاصة بها، وذلك نظرًا للإقبال الشديد من قبل المتعاملين بالصيرفة الإسلامية سواء في الغرب
أو الدول الإسلامية، ونجاح الأدوات والمنتجات الإسلامية في تحقيق عوائد وأرباح أفضل مما تحققه البنوك التقليدية،
سيؤدي إلى معرفة الإسلام بشكل أكبر وأعمق.
؟ -7 كيف نستفيد من الأزمة المالية العالمية 7
يمكن النظر إلى عدة آثار للأزمة المالية العالمية، فبالإضافة إلى التأثير الواضح على الأسواق المالية، هناك
الأثر السلبي على تقييم موجودات البنوك، وما يتبعه من تخفيض لأرباحها، ولملاءتها المالية. ومنها التأثير على قيمة
الاستثمارات الحكومية في الخارج والداخل، مما يحد من قدرة الحكومات على الإنفاق؛ كما أن أثر الأزمة على
التصنيف الائتماني يؤثر على قدرتها على الاقتراض، وعلى تكلفة ذلك الإقراض في حالة كان متوفرًا. وقد أدت
الأزمة إلى التردد من قبل البنوك المحلية والأجنبية التي أوقفت كثيرًا من خطوط الائتمان لتمويل المشاريع الجديدة
والقائمة.
ولعل الأثر الأكثر أهمية حتى الآن هو تأثير الأزمة على أسعار النفط، التي تهاوت خلال أشهر قليلة إلى
مستويات لم نشهدها منذ سنوات. وقد انعكس هذا الانخفاض في التقديرات الرسمية التي ظهرت حتى الآن في ميزانيات
دول المنطقة لدخلها من البترول خلال السنة القادمة.
فمع كل هذه الآثار السلبية، هل هناك فرص نستطيع الاستفادة منها خلال الأزمة؟ فمن المهم أن نتذكر أن هذه
الأزمة كسابقاتها ستنتهي بعد أن تستنفد آثارها من خلال الدورة الاقتصادية. والاستفادة ممكنة للمستثمر الحصيف لأن
الأغلبية يميلون نفسيًا إلى التصرف بشكل متوافق مع الدورة الاقتصادية للأزمة، فحين يدخل الاقتصاد في فترة الركود
يتوقفون عن الاستثمار، بل يبيعون ما لديهم من استثمارات بأسعار زهيدة .والمستهلك بعيد النظر يستطيع أيضًا
الاستفادة من الأزمة.
مثل الأسهم والسندات، فالسهم اليوم ( financial assets ) وقد أثرت الأزمة المالية في أسعار الموجودات المالية
في السوق السعودي على سبيل المثال يكلف أقل من نصف تكلفته في بداية العام، وكثير منها يباع بأقل من قيمة
7 ‐Cameron et africa online television, L’afrique peut tirer profit de la crise financière mondiale, (12/02/2009), disponible sur :
http://www.africaontv.com/Members/destaflowers/lafrique‐peut‐tirer‐profit‐de‐la‐crise‐financiere‐mondiale.htm
18
الإصدار، مما يعني أن أسهم العوائد وأسهم الشركات الناجحة الأخرى أصبحت مغرية. أما السندات فتختلف، فبعضها
كما هو متوقع تأثر إيجابيًا وارتفعت قيمته، وبعضها الآخر انخفض بشكل كبير فسندات( جنرال موتورز) ُتباع بأقل من
%40 من قيمتها الاسمية.
وبالمثل أدى الركود الاقتصادي إلى تراجع الطلب على السلع والخدمات، مما أدى إلى تخفيض الأسعار العالمية،
ويعني ذلك ( energy intensive. ) بما في ذلك المواد الأولية ومواد البناء وجميع السلع التي تعتمد كثيرًا على الطاقة
أن الوقت مناسب لبناء بيت العمر بالمواصفات المناسبة، مستفيدين من تأثير الأزمة التصحيحي على قطاع العقار،
سواء في أسعار الأراضي أو مواد البناء.
-8 الخاتمة.
من خلال ما سبق يمكن القول أن الاقتصاد العالمي مر بالعديد من الأزمات السابقة التي تعددت أسبابها، آثارها، حيزها
و نتائجها. فالأزمات المالية والاقتصادية تمر وفقا لدورات تنتج عنها فترات توازن، ويمكن القول أن الأزمات هي شر
لا بد منه من أجل إعادة تنظيم الاقتصاديات كما يمكننا أيضا اقتراح مجموعة من الحلول تتمثل في:
التركيز على الاقتصاد الحقيقي الذي يصاحبه إنتاج وتبادل فعليين.