شرح سلسلة الأحاديث من كتاب
(أحسن البيان في شرح كتاب الإيمان من اللؤلؤ والمرجان )
الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه
1- حديث ابْنِ عَبّاس قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمّا أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنِ
الْقَوْمُ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ قَالُوا: رَبِيعَةَ قَالَ: مَرْحَبًا
بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزايا وَلاَ نَدَامَى فَقالُوا: يا
رَسُولَ اللهِ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ في
الشَّهْرِ الْحَرامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذا الْحَيُّ مِنْ كُفّارِ
مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنا
وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ
بِأَرْبَعٍ وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمانِ بِاللهِ
وَحْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الإِيمانُ بِاللهِ وَحْدَهُ قَالُوا:
اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ
وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ
الزَّكاةِ وَصِيامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمغنَمِ الْخُمُسَ
وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ
وَالمُزَفَّتِ وَرُبَّما قَالَ المُقَيَّرِ وَقالَ: احْفَظُوهُنَّ
وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَراءَكُمْ) متفق عليه.
2- حَدْيث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذاً رضي الله عنه عَلى الْيَمنِ قَالَ: إِنَّكَ
تَقْدَمُ عَلى قَوْمِ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ
إِلَيْهِ عِبادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ
اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ في يَوْمِهِمْ
وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ
عَلَيْهِمْ زَكاةً مِنْ أَمْوالِهِمْ وَتَردُّ عَلى فُقَرائِهِمْ فَإِذا
أَطَاعُوا بِها فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرائِم أَمْوال الناس) متفق عليه.
3- حديث ابْنُ عَبّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعاذًا إِلى الْيَمَنِ فَقالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإِنَّها لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللهِ حِجابٌ) متفق عليه.
الشرح:
في
هذه الأحاديث جواز التحية بغير السلام بكلام لا محظور فيه ولا تشبه
بالكفار وليس على الدوام والسنة المداومة على تحية السلام فإن تركها
أحيانا وحيا بغيرها جاز ذلك.
وفيها
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنتباذ في الحنتم والدباء والنقير
والمزفت وهي أوعية مشهورة مصنوعة من غير الجلد كانت العرب تنتبذ بها و
تستعملها في صناعة الخمر لأن النبيذ فيها تتخمر أسرع من غيرها ، ونهيه
عنها من باب سد الذرائع لأن العرب كانت متعلقة بالخمر قريبة العهد به
ولذلك حرص الشارع على قطع جميع الطرق والوسائل المفضية لشرب الخمر ثم لما
ذلت نفوسهم بالإسلام واطمأنت بتحريم الخمر رخص فيها النبي صلى الله عليه
وسلم آخر الأمرين.
وفيها
مشروعية الدعوة إلى الله والحرص عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم
بحفظ العلم وتبليغه من ورائهم ممن غاب عن سماع العلم وقد وردت نصوص كثيرة
تدل على فضل الدعوة وأنها من أجل الطاعات وأنفع الأعمال المتعدية وهي من
أعظم وسائل نشر الدين.
وفيها
أنه ينبغي على الداعية أن يكون عارفا بأحوال المدعويين مطلع على عقائدهم
ومعارفهم وثقافتهم فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر معاذا بأن أهل اليمن
أهل كتاب فهم أهل علم وشبهة ليتهيأ معاذ ويستعد لدعوتهم ويكون على معرفة
بحالهم وهذا أصل عظيم في الدعوة فالمدعوون تختلف أحوالهم وكل قوم يمتازون
بمبادئ عن غيرهم فقد يكونوا من أهل الشبهات وقد يكونوا من أهل الشهوات وقد
يكونوا لا دين لهم وقد يكونوا وثنيين أو أهل كتاب أو ينتسبون للإسلام وهم
أهل شرك أو يكونوا أهل بدعة وتقليد مذموم فينبغي على الداعية مراعاة هذا
الأصل.
وفيها
أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد معاذا إلى ابتدائهم بالدعوة إلى التوحيد
وأصل الدين وفي هذا إشارة إلى أهمية الدعوة إلى العقيدة قبل كل شيء
والاعتناء بها ولهذا ينبغي على الداعية أن يركز في دعوته دائما على
التوحيد وأن يكثر من تكراره ولا تقتصر دعوته على فضائل الأعمال وبعض
الشعائر وقضايا العصر ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كثيرا
ما يدعون إلى تحقيق التوحيد وتنقيته من الشرك والشوائب وتعبيد الناس لربهم
وإخلاص العمل والتعلق بالله.
وفيها
أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد معاذا إلى دعوتهم إلى الإسلام شيئا
فشيئا وليس دفعة واحدة وفي هذا بيان لأصل مهم في دعوة الكافر وهو التدرج
في دعوته لئلا ينفر من فعل جميع شرائع الإسلام فيدعى إلى أصل الدين فإن
أقر به وانقاد له دعي إلى الصلاة ثم الزكاة وسائر الشرائع ثم دعي إلى ترك
الفواحش والمحرمات وهكذا يتدرج معه في دعوته حتى لا يثقل عليه لأول وهلة
فينفر ويرتد على عقبيه وهذا الحكم فيمن كان متثاقلا في قبول الحق أما من
كان طالبا للحق راغبا في الإسلام من تلقاء نفسه وعنده عزيمة ولا يخشى من
نفوره فهذا يخاطب بجميع الدين ولا يتدرج معه ومرجع ذلك إلى اجتهاد الداعية
ومعرفته بحاله.
وفيها
خطر الظلم على صاحبه وأن الله جعل دعوة المظلوم مستجابة على من ظلمه لما
له من الحق ولو كان كافرا لأن الله حرم الظلم على نفسه وأوجب العدل بين
عباده وهذا يوجب للمسلم الخوف الشديد من ظلم الناس في أموالهم وحقوقهم وقد
وردت قصص وأحوال عجيبة عن السلف في استجابة دعوة المظلوم.